«كتاب الطهارة»
مصدر «طهر» بضمّ العين وفتحها ، والاسم الطُهر بالضمّ «وهي لغةً : النظافة» والنزاهة من الأدناس «وشرعاً» بناءً على ثبوت الحقائق الشرعيّة «استعمالُ طهورٍ مشروطٌ بالنيّة» فالاستعمال بمنزلة الجنس ، والطهور مبالغةٌ في الطاهر ، والمراد منه هنا : «الطاهر في نفسه المطهِّر لغيره» جُعل بحسب الاستعمال متعدّياً وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازماً ، كالأكول.
وخرج بقوله : «مشروط بالنيّة» إزالة النجاسة عن الثوب والبدن وغيرهما ، فإنّ النيّة ليست شرطاً في تحقّقه وإن اشترطت في كماله وترتّب الثواب على فعله.
وبقيت الطهارات الثلاث مندرجة في التعريف ، واجبةً ومندوبة ، مبيحةً وغير مبيحة إن اُريد بالطهور مطلق الماء والأرض ، كما هو الظاهر.
وحينئذٍ ، ففيه : اختيار أنّ المراد منها ما هو أعمّ من المبيح للصلاة ، وهو خلاف اصطلاح الأكثرين (١) ـ ومنهم المصنّف في غير هذا الكتاب (٢) ـ أو ينتقض في طرده : بالغسل المندوب ، والوضوء غير الرافع منه ، والتيمّم بدلاً منهما
____________________
١) كالشيخ في النهاية : ١ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١١ ، والعلّامة في التذكرة ١ : ٧.
٢) اُنظر الدروس ١ : ٨٦ ، والبيان : ٣٥ ، والذكرى ١ : ٧٠ ، والألفيّة : ٤١.
٤٩
إن قيل به (١).
وينتقض في طرده أيضاً : بأبعاض كلّ واحدٍ من الثلاثة مطلقاً؛ فإنّه استعمال طهورٍ (٢) مشروطٌ بالنيّة مع أنّه لا يسمّى طهارة ، وبما لو نذر تطهيرَ الثوب ونحوه من النجاسة (٣) ناوياً ، فإنّ النذر منعقدٌ؛ لرجحانه.
ومع ذلك فهو من أجود التعريفات؛ لكثرة ما يرد عليها من النقوض في هذا الباب.
«والطَّهور» بفتح الطاء «هو الماء والتراب».
«قال اللّٰه تعالى : (وَأَنْزَلْنٰا مِنَ اَلسَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) (٤)» وهو دليل طهوريّة الماء ، والمراد ب‍ «السماء» هنا جهة العلو.
«وقال النبيّ صلى الله عليه وآله : «جُعلتْ لي الأرض مسجِداً و (٥) طهوراً» (٦)» (٧) وهو دليل طهوريّة التراب.
____________________
١) أي قيل : بأنّ التيمّم يشرع بدلاً من الغسل المندوب مطلقاً ، ومن الوضوء المندوب وإن لم يرفع. (منه رحمه الله).
٢) في (ع) و (ر) : للطهور.
٣) في (ش) و (ف) : النجاسات.
٤) الفرقان : ٤٨.
٥) في (س) زيادة : ترابها.
٦) الوسائل ٢ : ٩٧٠ ، الباب ٧ من أبواب التيمّم ، الحديث ٣ و ٤.
٧) هذا الحديث رواه الأكثر كما ذكره المصنّف ولا يطابق ما أسلفه من جعل أحد الطهورين هو التراب؛ لأنّ الأرض أعمّ منه لشمولها الحجر والرمل وغيرهما من أصنافها. فزاد بعض الرواة فيه «وترابها طهوراً» وكان الأولى للمصنّف ذكره كذلك ليوافق مطلوبه ، أو تبديل التراب أوّلاً بالأرض ليطابق ما رواه كما لا يخفى. (منه رحمه الله).
٥٠
وكان الأولى إبداله بلفظ «الأرض» كما يقتضيه الخبر ، خصوصاً على مذهبه : من جواز التيمّم بغير التراب من أصناف الأرض (١).
«فالماء» بقولٍ مطلق «مطهِّرٌ من الحدث» وهو الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه (٢) عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل ، المانعِ من الصلاة ، المتوقّفِ رفعه على النيّة «والخبث» وهو النجَس ـ بفتح الجيم ـ مصدر قولك : «نجِس الشيء» بالكسر ينجَس (٣) فهو نجِس بالكسر.
«وينجس» الماء مطلقاً «بالتغيّر بالنجاسة» في أحد أوصافه الثلاثة ـ اللون والطعم والريح ـ دون غيرها من الأوصاف.
واحترز ب‍ «تغيّره بالنجاسة» عمّا لو تغيّر بالمتنجّس خاصّةً ، فإنّه لا ينجس بذلك ، كما لو تغيّر طعمه بالدبس النجس (٤) من غير أن تؤثّر نجاسته فيه. والمعتبر من (٥) التغيّر : الحسّي لا التقديري على الأقوى.
«ويطهر بزواله» أي بزوال التغيّر ولو بنفسه أو بعلاج «إن كان» الماء «جارياً» وهو : النابعُ من الأرض مطلقاً غيرُ البئر على المشهور. واعتبر المصنّف في الدروس فيه دوامَ نبعه (٦).
____________________
١) كما يأتي في الصفحة ١٣٢ ـ ١٣٣.
٢) مثل الصبيّ والنائم والسكران.
٣) ويجوز ضمّ العين فيهما ككرم يكرُم. نصّ عليه في القاموس [٢ : ٢٥٣ ، (نجس)]. (هامش ر).
٤) في (ر) : المتنجّس.
٥) في (ف) شطب على «من» ، وفي نسخة بدل (ر) : فيه.
٦) الدروس ١ : ١١٩.
٥١
وجعله العلّامة (١) وجماعة (٢) كغيره في انفعاله بمجرّد الملاقاة مع قلّته ـ والدليل النقلي يعضده (٣) ـ وعدمِ (٤) طهره بزوال التغيّر مطلقاً ، بل بما نبّه عليه بقوله : «أو لاقى كرّاً» والمراد أنّ غير الجاري لا بدّ في طهره مع زوال التغيّر : من ملاقاته كرّاً طاهراً بعد زوال التغيّر أو معه ، وإن كان إطلاق العبارة قد يتناول ما ليس بمراد ، وهو طهره مع زوال التغيّر وملاقاته الكرّ كيف اتّفق ، وكذا الجاري على القول الآخر (٥).
ولو تغيّر بعض الماء وكان الباقي كرّاً طهر المتغيّر بزواله أيضاً كالجاري عنده ، ويمكن دخوله في قوله : «لاقى كرّاً» لصدق ملاقاته للباقي.
ونبّه بقوله : «لاقى كرّاً» على أنّه لا يشترط في طهره به وقوعه عليه دفعةً ـ كما هو المشهور بين المتأخّرين (٦) ـ بل تكفي ملاقاته له مطلقاً؛ لصيرورتهما بالملاقاة ماءً واحداً ، ولأنّ الدفعة لا يتحقّق لها معنى؛ لتعذّر الحقيقيّة وعدم الدليل
____________________
١) اُنظر التذكرة ١ : ١٧ ، والمنتهى ١ : ٢٨ ـ ٢٩ ، والقواعد ١ : ١٨٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٢٨.
٢) كالسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) ٣ : ٢٢ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٣٨ ، ولم نقف على غيرهما.
٣) المراد من الدليل النقلي عموم الأدلّة الدالّة على اعتبار الكريّة ، اُنظر روض الجنان ١ : ٣٦٢ ، وراجع الوسائل ١ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ و ٢.
٤) عطف على «انفعاله».
٥) وهو انفعاله بمجرّد الملاقاة.
٦) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١٢ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ٦٤ ـ ٦٥ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٣٣.
٥٢
على العرفيّة.
وكذا لا يعتبر ممازجته له ، بل يكفي مطلق الملاقاة؛ لأنّ ممازجة جميع الأجزاء لا تتّفق ، واعتبار بعضها دون بعض تحكّمٌ ، والاتّحاد مع الملاقاة حاصل.
ويشمل إطلاق الملاقاة ما لو تساوى سطحاهما واختلف ، مع علوّ المطهِّر على النجس وعدمه.
والمصنّف رحمه الله لا يرى الاجتزاء بالإطلاق في باقي كتبه (١) بل يعتبر الدفعة ، والممازجة ، وعلوّ المطهّر أو مساواته. واعتبار الأخير ظاهرٌ دون الأوّلين ، إلّامع عدم صدق الوحدة عرفاً.
والكرّ المعتبرُ في الطهارة وعدم الانفعال بالملاقاة «هو * ألف ومئتا رِطلٍ» بكسر الراء على الأفصح وفتحها على قلّة «بالعراقي» وقدره مئة وثلاثون درهماً على المشهور فيهما (٢) (٣).
وبالمساحة ما بلغ مكسّره اثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان شبر مستوي
____________________
١) فقد اعتبر في الدروس : الدفعة ، وفي الذكرى : الممازجة ، وفيهما وفي البيان : علوّ المطهّر أو مساواته ، اُنظر الدروس ١ : ١١٨ ـ ١١٩ ، والذكرى ١ : ٨٥ ، والبيان : ٩٩ ، واعتبر الدفعة أيضاً في غاية المراد ١ : ٦٥.
*) في (ق) بدل «هو» : قدره.
٢) في العراقي وقدره.
٣) مقابل المشهور أمران : أحدهما أنّه بالمدني وهو مئة وخمسة وتسعون.
والثاني : أنّ العراقي مئة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم ، وقد اختاره العلّامة في التحرير [١ : ٣٧٤] في تقدير نصاب زكاة الغلّة. (منه رحمه الله).
٥٣
الخلقة (١) على المشهور والمختار عند المصنّف (٢) وفي الاكتفاء بسبعةٍ وعشرين قولٌ قويّ (٣).
«وينجس» الماء «القليل» وهو ما دون الكرّ «والبئر» وهو : مجمع ماءٍ نابعٍ من الأرض لا يتعدّاها غالباً ولا يخرج عن مسمّاها عرفاً «بالملاقاة» على المشهور فيهما بل كاد أن يكون إجماعاً.
«ويطهر القليل بما ذكر» وهو ملاقاته الكرّ على الوجه السابق ، وكذا يطهر بملاقاة الجاري مساوياً له أو عالياً عليه وإن لم يكن كرّاً عند المصنّف ومن يقول بمقالته فيه وبوقوع الغيث عليه إجماعاً.
«و» يطهر «البئر» بمطهِّر غيره مطلقاً و «بنزح جميعه للبعير» وهو من الإ بل بمنزلة الإنسان يشمل الذكر والاُنثى ، الصغير والكبير. والمراد من نجاسته المستندةُ إلى موته «و» كذا «الثور» قيل : هو ذكر البقر (٤) والأولى اعتبار اطلاق اسمه عرفاً مع ذلك «والخمر» قليله وكثيره «والمسكر» المائع بالأصالة «ودم الحدث» وهو الدماء الثلاثة على المشهور «والفُقّاع» بضمّ الفاء. وألحق به المصنّف في الذكرى العصير العنبي بعد اشتداده بالغليان قبل ذهاب ثلثيه (٥) وهو بعيد.
ولم يذكر هنا المنيّ ممّا له نفسٌ (٦) والمشهور فيه ذلك ، وبه قطع المصنّف في
____________________
١) لم يرد «الخلقة» في (ع) و (ف).
٢) اُنظر الذكرى ١ : ٨٠ ، والدروس ١ : ١١٨ ، والبيان : ٩٨.
٣) قاله الصدوق في الفقيه ١ : ٦ ، ذيل الحديث ٢ ، والعلّامة في المختلف ١ : ١٨٤.
٤) قاله الجوهري في الصحاح ٢ : ٦٠٦ ، (ثور).
٥) الذكرى ١ : ٩٩.
٦) في (ر) : نفس سائلة.
٥٤
المختصرين (١) ونسبه في الذكرى إلى المشهور معترفاً فيه بعدم النصّ (٢) ولعلّه السبب في تركه هنا ، لكن دم الحدث كذلك ، فلا وجه لإفراده. وإ يجاب الجميع لما لا نصّ فيه يشملهما. والظاهر هنا حصر المنصوص بالخصوص.
«و» نزح «كرٍّ للدابّة» وهي الفرس «والحمار والبقرة» وزاد في كتبه الثلاثة البغل (٣) والمراد من نجاستها المستندة إلى موتها.
هذا هو المشهور ، والمنصوص منها مع ضعف طريقه (٤) : الحمار والبغل (٥) وغايته أن يُجبر (٦) ضعفه بعمل الأصحاب ، فيبقى إلحاق الدابّة والبقرة بما لا نصّ فيه أولى.
«و» نزح «سبعين دلواً معتادة» على تلك البئر ، فإن اختلفت فالأغلب «للإنسان» أي لنجاسته المستندة إلى موته ، سواء في ذلك الذكر
____________________
١) الدروس ١ : ١١٩ ، والبيان : ٩٩.
٢) الذكرى ١ : ٩٣.
٣) الذكرى ١ : ٩٤ ، والدروس ١ : ١١٩ ، والبيان : ١٠٠.
٤) الظاهر أنّ ضعفه ب‍ «عمرو بن سعيد بن هلال» إذ لم يرد فيه مدح ولا ذمّ. اُنظر جامع الرواة ١ : ٦٢٢.
٥) اُنظر الوسائل ١ : ١٣٢ ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥ ، والتهذيب ١ : ٢٣٥ ، الحديث ٦٧٩ ، وفيهما بدل «البغل» : «الجمل» وقال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة : ظاهر أو صريح المعتبر وكشف الالتباس والمهذّب والمقتصر والذكرى والروض والروضة : أنّ البغل موجود فيها ، بل هو ظاهر الذكرى جزماً ، ونصّ الفاضل في شرحه : أنّ البغل موجود في موضع من التهذيب ، والاُستاذ في شرح المفاتيح وحاشية المدارك : أنّه في بعض نسخ التهذيب ذكر فيها «البغل» بعنوان النسخة ، مفتاح الكرامة ١ : ١٠٩.
٦) في (ع) و (ف) : ينجبر.
٥٥
والاُنثى والصغير والكبير والمسلم والكافر إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه ، وإلّا اختصّ بالمسلم.
«وخمسين» دلواً «للدم الكثير» في نفسه عادةً ـ كدم الشاة المذبوحة ـ غير الدماء الثلاثة؛ لما تقدّم. وفي إلحاق دم نجس العين بها وجه مخرَّج (١) «والعذرة الرطبة» وهي فضلة الإنسان. والمرويّ اعتبار ذوبانها (٢) وهو تفرّق أجزائها وشيوعها في الماء. أمّا الرطوبة فلا نصّ على اعتبارها ، لكن ذكرها الشيخ (٣) وتبعه المصنّف وجماعة (٤) واكتفى في الدروس بكلٍّ منهما (٥) وكذلك تعيّن الخمسين ، والمرويّ : أربعون أو خمسون (٦) وهو يقتضي التخيير ، وإن كان اعتبار الأكثر أحوط أو أفضل.
«وأربعين» دلواً «للثعلب والأرنب والشاة والخنزير والكلب والهرّ»
____________________
١) وجه التخريج : أنّه يلحق بالدماء الثلاثة في تغليظ حكمه ، حيث لا يعفى عن قليله ولا كثيره في الصلاة ، فإذا استثني الدماء الثلاثة هنا من مطلق الدم لقوّة نجاستها استثني منها دم نجس العين؛ لما ذكر. وفيه منع كلّ من الحكمين؛ فإنّ الدم في النصّ مطلق ، وإخراج الدماء الثلاثة أيضاً في محلّ النظر حيث لا نصّ. ولو سُلّم فإلحاق غيرها بها ممنوع. وأيضاً فإنّهم لم يلحقوه بها في نزح الجميع مع وجود العلّة ، فالأولى أن لا يلحق هنا ، والقول بإلحاقه بها ثمّة ـ كما قال المصنّف في الذكرى [١ : ١٠١] ـ شكّ في شكّ. (منه رحمه الله).
٢) الوسائل ١ : ١٤٠ ، الباب ٢٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ و ٢.
٣) في النهاية : ٧ ، والمبسوط ١ : ١٢.
٤) كابن حمزة في الوسيلة : ٧٥ ، والكيدري في الإصباح : ٢٤ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ٧٩ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٥٩.
٥) الدروس ١ : ١١٩ ـ ١٢٠.
٦) تقدّم تخريجه آنفاً.
٥٦
وشبه ذلك ، والمراد من نجاسته بالموت (١) كما مرّ. والمستنَد ضعيف (٢) والشهرة جابرة على ما زعموا «و» كذا في «بول الرجل» سنداً (٣) وشهرةً. وإطلاق «الرجل» يشمل المسلم والكافر ، وتخرج المرأة والخنثى ، فيلحق بولهما بما لا نصّ فيه ، وكذا بول الصبيّة ، أمّا الصبي فسيأتي. ولو قيل فيما لا نصّ فيه بنزح ثلاثين أو أربعين وجب في بول الخنثى أكثر الأمرين منه ومن بول الرجل ، مع احتمال الاجتزاء بالأقلّ؛ للأصل.
«و» نزح «ثلاثين» دلواً «لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخُرء الكلب» في المشهور ، والمستند روايةٌ مجهولة الراوي (٤).
وإ يجاب خمسين للعذرة وأربعين لبعض الأبوال والجميع للبعض ـ كالأخير منفرداً ـ لا ينافي وجوب ثلاثين له مجتمعاً مخالطاً للماء؛ لأنّ مبنى حكم البئر على جمع المختلف وتفريق المتّفق (٥) فجاز إضعاف ماء المطر لحكمه وإن لم تذهب أعيان هذه الأشياء.
____________________
١) في (ر) : المستندة بالموت.
٢) قال في روض الجنان (١ : ٤٠١) بعد إسناده الحكم إلى المشهور : «ورواه عليّ بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام». انظر الوسائل ١ : ١٣٤ ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.
٣) قال قدس سره في روض الجنان (١ : ٤٠١) : رواه عليّ بن أبي حمزة أيضاً عن الصادق عليه السلام. راجع الوسائل ١ : ١٣٣ ، الباب ١٦ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.
٤) وهو «كردويه» كما صرّح به في المسالك ١ : ١٩ ، راجع المصدر السابق ، الحديث ٣.
٥) كالجمع بين الشاة والخنزير في الحكم مع اختلافهما. وتفريق المتّفق ، كالتفريق بين الخنزير والكافر مع اتّفاقهما في النجاسة. (منه رحمه الله).
٥٧
ولو خالط أحدها كفت الثلاثون إن لم يكن له مقدّر ، أو كان وهو أكثر أو مساوٍ ، ولو كان أقلّ اقتصر عليه. وأطلق المصنّف : أنّ حكم بعضها كالكلّ (١) وغيرُه : بأنّ الحكم معلّق (٢) بالجميع (٣) فيجب لغيره مقدّره أو الجميع. والتفصيل أجود.
«و» نزح «عشر» دلاء «ليابس العذرة» وهو غير ذائبها ، أو رطبها ، أو هما على الأقوال (٤) «وقليل الدم» كدم الدجاجة المذبوحة في المشهور. والمرويّ : «دلاء يسيرة» (٥) وفسّرت بالعشر؛ لأنّه أكثر عددٍ يضاف إلى هذا الجمع ، أو لأنّه أقلّ جمع الكثرة (٦) وفيهما نظر.
____________________
١) اُنظر البيان : ١٠٠ ، والذكرى ١ : ١٠٠.
٢) في (ع) و (ف) : متعلّق.
٣) اُنظر الشرائع ١ : ١٤ ، والتذكرة ١ : ٢٦ ، وكشف الالتباس ١ : ٦٩ ـ ٧٠.
٤) الأوّل للصدوق في الهداية : ٧١ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٦٥. والثاني للشيخ في النهاية : ٧ ، وسلّار في المراسم : ٣٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٧٥. والثالث للمفيد في المقنعة : ٦٧ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٧٩.
٥) الوسائل ١ : ١٤١ ، الباب ٢١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث الأوّل.
٦) القائل بأنّ العشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع : الشيخ في التهذيب [١ : ٢٤٥ ، ذيل الحديث ٧٠٥] وهو يدلّ على أنّه جمع قلّة ، والنظر في الأمرين معاً ، أمّا الجمع فظاهر أنّه جمع كثرة كما هو معلوم من قواعد العربيّة ، وأمّا الحمل على أكثره على تقدير تسلّمه فمنعه ظاهر ، فإنّ إطلاق الحكم بالجمع محمول على الاجتزاء بأقلّه كما هو معلوم من حال الشارع في جميع أبواب الفقه فحمله على الاجتزاء بالأقلّ أولى. والقائل بأ نّه جمع كثرة والاجتزاء بالعشرة العلّامة في المنتهى [١ : ٨١] والمختلف [١ : ١٩٩] وقد أصاب في الجمع دون مدلوله ، فإنّ أقلّ جمع الكثرة أحد عشر بلا خلاف ، فحمله على العشرة التي هي
٥٨
«و» نزح «سبع» دلاءٍ «للطير» وهو الحمامة فما فوقها ، أي لنجاسة موته «والفأرة مع انتفاخها» في المشهور. والمرويّ (١) ـ وإن ضعف ـ : اعتبارُ تفسّخها «وبول الصبيّ» وهو : الذكر الذي زاد سنّه عن حولين ولم يبلغ الحُلُم. وفي حكمه : الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه «وغسل الجنب» الخالي بدنه من نجاسةٍ عينيّة.
ومقتضى النصّ نجاسة الماء بذلك لا سلب الطهوريّة ، وعلى هذا فإن اغتسل مرتمساً طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث. وإن اغتسل مرتّباً ففي نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأوّل مع اتّصاله به أو وصول الماء إليه ، أو توقفه على إكمال الغسل ، وجهان. ولا يلحق بالجنب غيره ممّن يجب عليه الغسل؛ عملاً بالأصل ، مع احتماله.
«وخروج الكلب» من ماء البئر «حيّاً» ولا يلحق به الخنزير ، بل بما لا نصّ فيه.
«و» نزح «خمسٍ لذرق الدجاج» مثلّث الدال في المشهور. ولا نصّ عليه ظاهراً ، فيجب تقييده ب‍ «الجلّال» كما صنع المصنّف في البيان (٢) ليكون
____________________
أكثر جمع القلّة ليس بسديد ، ومع ذلك لا يخفى أنّ الفرق بين الجمعين اصطلاح خاصّ يأباه العرف ، والحكم الشرعي منوط به كما يعلم ذلك في أبواب الأقارير والوصايا وغيرها وبذلك يظهر وجه النظر في القولين بل فسادهما رأساً. (منه رحمه الله).
١) وهي رواية أبي سعيد المكاري ، اُنظر روض الجنان ١ : ٤٠٩ ، والوسائل ١ : ١٣٧ ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، ذيل الحديث الأوّل. وأبو سعيد المكاري ملعون ، اُنظر المسالك ٨ : ١٢.
٢) البيان : ١٠٠.
٥٩
نجساً. ويحتمل حينئذٍ : وجوب نزح الجميع إلحاقاً له بما لا نصّ فيه إن لم يثبت الإ جماع على خلافه ، وعشرٍ إدخالاً له في العذرة ، والخمسِ للإ جماع على عدم الزائد إن تمّ. وفي الدروس صرّح بإرادة العموم ـ كما هنا ـ وجعل التخصيص ب‍ «الجلّال» قولاً (١).
«وثلاث» دلاءٍ «للفأرة» مع عدم الوصف «والحيّة» على المشهور ، والمأخذ فيها ضعيف (٢) وعُلّل : بأنّ لها نفساً فتكون ميتتها نجسة (٣) وفيه : ـ مع الشكّ في ذلك ـ عدم استلزامه للمدّعى.
«و» اُلحق بها «الوَزَغَة» بالتحريك. ولا شاهد له كما اعترف به المصنّف في غير البيان (٤) وقطع بالحكم فيه (٥) كما هنا. واُلحق بها العقرب ، وربّما قيل بالاستحباب (٦) لعدم النجاسة ، ولعلّه لدفع وَهْم السمّ.
«ودلو للعُصفور» بضمّ عينه ، وهو ما دون الحمامة ، سواء كان مأكول اللحم أم لا. وألحق به المصنّف في الثلاثة (٧) بولَ الرضيع قبل اغتذائه بالطعام في
____________________
١) الدروس ١ : ١٢٠.
٢) قال قدس سره في روض الجنان (١ : ٤٠٣) : وكذا الحيّة على المشهور إحالةً على الفأرة ، وهو مأخذ ضعيف.
٣) علّله المحقّق في المعتبر ١ : ٧٥.
٤) اعترف في الدروس (١ : ١٢٠) بعدم الشاهد للحيّة ، وفي الذكرى (١ : ٩٨) بعدم النصّ صريحاً في العقرب ، واستشهد فيها للوزغة بقول الصادق عليه السلام.
٥) البيان : ١٠٠.
٦) قال به العلّامة في القواعد ١ : ١٨٨.
٧) بل ألحق العصفورَ ببول الرضيع ، راجع الذكرى ١ : ٩٨ ، والدروس ١ : ١٢٠ ، والبيان : ١٠٠.
٦٠
الحولين ، وقيّده في البيان ب‍ «ابن المسلم» وإنّما تركه هنا لعدم النصّ ، مع أنّه في الشهرة كغيره ممّا سبق.
واعلم أنّ أكثر مستند هذه المقدرات ضعيفٌ ، لكن العمل به مشهور ، بل لا قائل بغيره على تقدير القول بالنجاسة ، فإنّ اللازم من اطّراحه كونه ممّا لا نصّ فيه.
«ويجب التراوحُ بأربعة» رجالٍ (١) كلّ اثنين منها يُريحان الآخرين «يوماً» كاملاً من أوّل النهار إلى الليل ، سواء في ذلك الطويل والقصير «عند» تعذّر نزح الجميع بسبب «الغزارة» المانعة من نزحه «ووجوب نزح الجميع» لأحد الأسباب المتقدّمة. ولا بدّ من إدخال جزءٍ من الليل متقدّماً ومتأخّراً من باب المقدّمة وتهيئة الأسباب قبل ذلك.
ولا يجزئ مقدار اليوم من الليل والملفّق منهما. ويجزئ ما زاد عن الأربعة دون ما نقص وإن نهض بعملها. ويجوز لهم الصلاة جماعةً لا جميعاً بدونها ، ولا الأكل كذلك.
ونبّه بإلحاق «التاء» ل‍ «الأربعة» على عدم إجزاء غير الذكور ، ولكن لم يدلّ على اعتبار الرجال. وقد صرّح المصنّف في غير الكتاب (٢) باعتباره ، وهو حسن ، عملاً بمفهوم «القوم» في النصّ (٣) خلافاً للمحقّق حيث اجتزأ بالنساء والصبيان (٤).
____________________
١) في (س) كلمة «رجال» جاءت في المتن ، وزيدت في هامش (ق) نسخة.
٢) اُنظر البيان : ٩٩ ، والدروس ١ : ١٢٠ ، والذكرى ١ : ٩٠.
٣) الوسائل ١ : ١٤٣ ، الباب ٢٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث الأوّل.
٤) المعتبر ١ : ٧٧.
٦١
«ولو تغيّر» ماء البئر بوقوع نجاسةٍ لها مقدّرٌ «جمع بين المقدّر وزوال التغيّر» بمعنى وجوب أكثر الأمرين ، جمعاً بين المنصوص (١) وزوال التغيّر المعتبر في طهارة ما لا ينفعل كثيره ، فهنا أولى.
ولو لم يكن لها مقدّر ففي الاكتفاء بمزيل التغيّر ، أو وجوب نزح الجميع والتراوح مع تعذّره ، قولان ، أجودهما الثاني (٢) ولو أوجبنا فيه ثلاثين أو أربعين اعتبر أكثر الأمرين أيضاً.
«مسائل»
الاُولى :
الماء «المضاف ما» أي الشيء الذي «لا يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه» مع صدقه عليه مع القيد ، كالمعتصَر من الأجسام ، والممتزج بها مزجاً يسلبه الإطلاق ـ كالأمراق ـ دون الممتزج على وجهٍ لا يسلبه الاسم وإن تغيّر لونه كالممتزج بالتراب ، أو طعمه كالممتزج بالملح ، وإن اُضيف إليهما.
«وهو» أي الماء المضاف «طاهرٌ» في ذاته بحسب الأصل «غير مطهِّرٍ» لغيره «مطلقاً» من حدثٍ ولا خبث اختياراً واضطراراً «على»
____________________
١) في (ع) : النصوص.
٢) اختاره ابن إدريس في السرائر ١ : ٧١ ، وأمّا القول الأوّل فلم نقف على قائله في خصوص ما لم يكن له مقدّر ، نعم قال المفيد وجماعة بكفاية مزيل التغيّر في مطلق تغيّر ماء البئر ، اُنظر روض الجنان ١ : ٣٨٣.
٦٢
القول «الأصحّ (١)».
ومقابله : قول الصدوق بجواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد (٢) استناداً إلى روايةٍ مردودة (٣) وقول المرتضى برفعه مطلقاً الخبث (٤).
«وينجس» المضاف وإن كثر «بالاتّصال بالنجس» إجماعاً «وطُهرُه إذا صار» ماءً «مطلقاً» مع اتّصاله بالكثير المطلق لا مطلقاً «على» القول «الأصحّ» (٥).
ومقابله : طُهره بأغلبيّة الكثير المطلق عليه وزوال أوصافه (٦) وطهره بمطلق الاتّصال به وإن بقي الاسم (٧).
ويدفعهما ـ مع أصالة بقاء النجاسة ـ : أنّ المطهِّر لغير الماء شرطه وصول الماء إلى كلّ جزءٍ من النجس ، وما دام مضافاً لا يتصوّر وصول الماء إلى جميع أجزائه النجسة ، وإلّا لما بقي كذلك. وسيأتي له تحقيق آخر في
____________________
١) لم ترد «على الأصحّ» في (ق).
٢) الفقيه ١ : ٦ ، ذيل الحديث ٣ ، والهداية : ٦٥.
٣) وهو ما رواه محمّد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن عليه السلام ، قال الشيخ في التهذيب : «فهذا الخبر شاذّ شديد الشذوذ وإن تكرّر في الكتب والاُصول فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن عليه السلام ولم يروه غيره وقد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره ...» اُنظر التهذيب ١ : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، الحديث ٦٢٧ ، والوسائل ١ : ١٤٨ ، الباب ٣ من أبواب الماء المضاف ، الحديث الأوّل.
٤) الناصريّات : ١٠٥ ، المسألة ٢٢.
٥) اختاره المحقّق في الشرائع ١ : ١٥.
٦) اختاره الشيخ في المبسوط ١ : ٥.
٧) نسبه في الذكرى (١ : ٧٤) إلى العلّامة.
٦٣
باب الأطعمة.
«والسؤر» وهو : الماء القليل الذي باشره جسم حيوانٍ «تابعٌ للحيوان» الذي باشره في الطهارة والنجاسة والكراهة.
«ويكره سؤر الجلّال» وهو : المغتذي بعذرة الإنسان محضاً إلى أن ينبت عليها لحمه واشتدّ عظمه ، أو سمّي في العرف جلّالاً ، قبل أن يُستبرأ بما يزيل الجَلَل «وآكل الجِيَف مع الخلوّ» أي خلوّ موضع الملاقاة للماء «عن النجاسة» «و» سؤر «الحائض المتّهمة» بعدم التنزّه عن النجاسة. وألحق بها المصنّف في البيان كل متّهمٍ بها (١) وهو حسنٌ «و» سؤر «البغل والحمار» وهما داخلان في [تبعيّة الحيوان] (٢) في الكراهة ، وإنّما خصّهما لتأكّد الكراهة فيهما «و» سؤر «الفأرة والحيّة» وكلّ ما لا يؤكل لحمه إلّاالهرّ (٣) «وولد الزنا» قبل بلوغه ، أو بعده مع إظهاره للإسلام.
«الثانية» :
«يستحبّ التباعد بين البئر والبالوعة» التي يرمى فيها ماء النزح «بخمس أذرعٍ في» الأرض «الصُّلْبة» بضمّ الصاد وسكون اللام «أو تحتيّة» قرار «البالوعة» عن قرار البئر «وإلّا» يكن كذلك ، بأن كانت الأرض رَخْوةً والبالوعة مساويةً للبئر قراراً أو مرتفعةً عنه «فبسبع» أذرع.
____________________
١) البيان : ١٠١.
٢) في المخطوطات : تبعيّته للحيوان.
٣) في (ف) : الهرّة.
٦٤
فصور المسألة على هذا التقدير ستٌّ ، يستحبّ التباعد في أربع منها بخمس ، وهي : الصُّلبة مطلقاً والرَّخوة مع تحتيّة البالوعة ، وبسبع في صورتين ، وهما : مساواتهما وارتفاع البالوعة في الأرض الرَّخوة.
وفي حكم الفوقيّة المحسوسة الفوقيّة بالجهة ، بأن يكون البئر في جهة الشمال ، فيكفي الخمس مع رخاوة الأرض وإن استوى القراران؛ لما ورد : من «أنّ مجاري العيون من (١) مهبّ الشمال» (٢).
«ولا تنجس» البئر «بها» أي بالبالوعة «وإن تقاربتا ، إلّامع العلم بالاتّصال» أي اتّصال ما بها من النجس بماء البئر؛ لأصالة الطهارة وعدم الاتّصال.
«الثالثة» :
«النجاسة» أي جنسها «عشرة» :
«البول والغائط من غير المأكول» لحمه بالأصل أو العارض «ذي النفس» أي الدم القويّ الذي يخرج من العِرق عند قطعه.
«والدم والمنيّ من ذي النفس» آدميّاً كان أم غيره ، برّيّاً أم بحريّاً «وإن اُكل» لحمه.
«والميتة منه» أي من ذي النفس وإن اُكل.
«والكلب والخنزير» البرّيان ، وأجزاؤهما وإن لم تحلّها الحياة ، وما تولّد
____________________
١) في (ر) ونسخة بدل الوسائل بدل «من» : مع.
٢) الوسائل ١ : ١٤٥ ، الباب ٢٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.
٦٥
منهما وإن باينهما في الاسم. أمّا المتولّد من أحدهما وطاهرٍ فإنّه يتبع في الحكم الاسم ولو لغيرهما ، فإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته وإن حرم لحمه؛ للأصل فيهما.
«والكافر» أصليّاً ومرتدّاً وإن انتحل الإسلام مع جَحده لبعض ضروريّاته. وضابطه : من أنكر الإلهيّة أو الرسالة أو بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورةً.
«والمسكر» المائع بالأصالة.
«والفُقّاع» بضمّ الفاء ، والأصل فيه : أن يتّخذ من ماء الشعير ، لكن لمّا ورد الحكم فيه معلّقاً على التسمية ثبت لما اُطلق عليه اسمه مع حصول خاصيّته أو اشتباه حاله.
ولم يذكر المصنّف هنا من النجاسات العصير العنبي إذا غلا واشتدّ ولم يذهب ثلثاه؛ لعدم وقوفه على دليلٍ يقتضي نجاسته ، كما اعترف به في الذكرى والبيان (١) لكن سيأتي أنّ ذهاب ثلثيه مطهِّرٌ ، وهو يدلّ على حكمه بتنجّسه (٢) فلا عذر في تركه. وكونه في حكم المسكر ـ كما ذكره في بعض كتبه (٣) ـ لا يقتضي دخوله فيه حيث يُطلَق ، وإن دخل في حكمه حيث يُذكَر.
وهذه النجاسات العشر «يجب إزالتها» لأجل الصلاة «عن الثوب والبدن» ومسجِد الجبهة ، وعن الأواني لاستعمالها فيما يتوقّف على طهارتها ،
____________________
١) الذكرى ١ : ١١٥ ، والبيان : ٩١.
٢) في المخطوطات : بتنجيسه.
٣) وهو الذكرى ١ : ١١٥ ، وظاهر الألفيّة : ٤٨.
٦٦
وعن المساجد والضرائح المقدّسة والمصاحف المشرّفة.
«وعفي» في الثوب والبدن «عن دم الجروح والقروح مع السيلان» دائماً أو في وقتٍ لا يسع زمن فواته (١) الصلاة. أمّا لو انقطع وقتاً يسعها فقد استقرب المصنّف رحمه الله في الذكرى وجوب الإزالة لانتفاء الضرر (٢) والذي يستفاد من الأخبار (٣) عدم الوجوب مطلقاً حتى يَبرأ. وهو قويّ.
«وعن دون الدرهم» البَغلي (٤) سعةً ، وقدّر ب‍ «سعة أخمُص الراحة» (٥) وب‍ «عقد الإ بهام العُليا» (٦) ، وب‍ «عقد السبّابة» (٧) ولا منافاة؛ لأنّ مثل هذا الاختلاف يتّفق في الدراهم بضربٍ واحد.
وإنّما يُغتفر هذا المقدار «من» الدم «غير» الدماء «الثلاثة» وألحق
____________________
١) يعني انقطاعه.
٢) الذكرى ١ : ١٣٧ ، وفيه بدل «الضرر» : الضرورة.
٣) منها رواية أبي بصير ، وقد استدلّ قدس سره بها في روض الجنان ١ : ٤٤٣ ، وراجع الوسائل ٢ : ١٠٢٨ ، الباب ٢٢ من أبواب النجاسات ، الحديث الأوّل.
٤) قال قدس سره في روض الجنان : «البغلي بإسكان الغين وتخفيف اللام منسوب إلى رأس البغل ، ضربه للثاني في ولايته بسكةٍ كسرويّة فاشتهر به ، وقيل بفتحها وتشديد اللام منسوب إلى قرية بالجامعين كان يوجد بها دراهم تقرب سعتها من أخمص الراحة ...» اُنظر روض الجنان ١ : ٤٤٣.
٥) قدّره بذلك ابن ادريس في السرائر ١ : ١٧٧ ، وأخمص الراحة هو المنخفض منها الذي لا يصل إلى الأرض إذا وضعت عليها.
٦) قدّره بذلك ابن الجنيد ، اُنظر المعتبر ١ : ٤٣٠.
٧) لم نعثر على من قدّره به.
٦٧
بها بعضُ الأصحاب (١) دمَ نجس العين؛ لتضاعف النجاسة. ولا نصّ فيه ، وقضيّة الأصل تقتضي دخوله في العموم.
والعفو عن هذا المقدار مع اجتماعه موضع وفاقٍ ، ومع تفرّقه أقوال (٢) أجودها : إلحاقه بالمجتمع.
ويكفي في الزائد عن المعفوّ عنه إزالة الزائد خاصّةً. والثوب والبدن يُضمّ بعضهما إلى بعض على أصحّ القولين (٣).
ولو أصاب الدم وجهي الثوب فإن تفشّى من جانبٍ إلى آخر فواحدٌ ، وإلّا فإثنان. واعتبر المصنّف في الذكرى في الوحدة مع التفشّي رقّة الثوب ، وإلّا تعدّد (٤).
ولو أصابه مائعٌ طاهر ، ففي بقاء العفو وعدمه قولان للمصنّف في الذكرى (٥) والبيان (٦) أجودهما الأوّل. نعم ، يعتبر التقدير بهما.
____________________
١) كالعلّامة في القواعد ١ : ١٩٣ ، والمصنّف في البيان : ٩٥ ، والدروس ١ : ١٢٦ ، والصيمري في كشف الالتباس ١ : ٤٥٣.
٢) قيل : هو عفو ، كما في المبسوط ١ : ٣٦ ، والسرائر ١ : ١٧٨ ، والشرائع ١ : ٥٣. وقيل : تجب إزالته ، كما في الوسيلة : ٧٧ ، والقواعد ١ : ١٩٣ ، والبيان : ٩٥ ، والتنقيح الرائع ١ : ١٤٩ ، وجامع المقاصد ١ : ١٧٢. وقيل : لا تجب إزالته إلّاأن يتفاحش ويكثر ، كما في النهاية : ٥١ ـ ٥٢ ، والمعتبر ١ : ٤٣٠ ـ ٤٣١.
٣) قال به المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧٢ ، والقول الآخر وهو عدم الانضمام لابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ١ : ٢٤٢ ، والصيمري في غاية المرام ١ : ١٠٤.
٤) و (٥) الذكرى ١ : ١٣٨.
٥)
٦) البيان : ٩٥.
٦٨
وبقي ممّا يعفى عن نجاسته شيئان : أحدهما : ثوب المربّية للولد ، والثاني : ما لا يَتمّ صلاة الرجل فيه وحده لكونه لا يستر عورتيه. وسيأتي حكم الأوّل في لباس المصلّي (١) وأمّا الثاني فلم يذكره؛ لأنّه لا يتعلّق ببدن المصلّي ولا ثوبه الذي هو شرط في الصلاة ، مع مراعاة الاختصار.
«ويغسل الثوب مرّتين بينهما عصرٌ» وهو : كَبْس الثوب بالمعتاد لإخراج الماء المغسول به. وكذا يعتبر العصر بعدهما ، ولا وجه لتركه.
والتثنية منصوصةٌ في البول (٢) وحَمَل المصنّف (٣) غيره عليه من باب مفهوم الموافقة؛ لأنّ غيره أشدّ نجاسةً.
وهو ممنوع ، بل هي إمّا مساوية أو أضعف حكماً ، ومن ثَمّ عفي عن قليل الدم دونه ، فالاكتفاء بالمرّة في غير البول أقوى ، عملاً بإطلاق الأمر ، وهو اختيار المصنّف في البيان جزماً ، وفي الذكرى والدروس (٤) بضربٍ من التردّد.
ويُستثنى من ذلك بولُ الرضيع فلا يجب عصره ولا تعدّد غَسله.
وهما ثابتان في غيره «إلّافي الكثير والجاري» ـ بناءً على عدم اعتبار كثرته ـ فيسقطان فيهما ، ويُكتفى بمجرّد وضعه فيهما مع إصابة الماء لمحلّ النجاسة وزوال عينها.
«ويُصبّ على البدن مرّتين في غيرهما» بناءً على اعتبار التعدّد مطلقاً ،
____________________
١) يأتي في الصفحة ١٦٦.
٢) وهي عدّة أخبار ، اُنظر الوسائل ٢ : ١٠٠١ ، الباب الأوّل والثاني من أبواب النجاسات.
٣) هنا وفي الألفيّة : ٤٩.
٤) البيان : ٩٣ ، الذكرى ١ : ١٢٤ ، الدروس ١ : ١٢٥.
٦٩
وكذا ما أشبه البدن ممّا تنفصل الغسالة عنه بسهولة ، كالحجر والخشب.
«وكذا الإناء» ويزيد أنّه يكفي صبّ الماء فيه بحيث يصيب النجس وإفراغه منه ولو بآلةٍ لا تعود إليه ثانياً إلّاطاهرة ، سواء في ذلك المثبت وغيره وما يَشُقّ قلعه وغيره.
«فإن وَلَغ فيه» أي في الإناء «كلبٌ» بأن شرب ممّا فيه بلسانه «قُدّم عليهما» أي على الغسلتين بالماء «مسحه * بالتراب» الطاهر دون غيره ممّا أشبهه ، وإن تعذّر أو خيف فساد المحلّ. واُلحق بالوُلوغ لطعه الإناء ، دون مباشرته له بسائر أعضائه.
ولو تكرّر الوُلوغ تداخل كغيره من النجاسات المجتمعة ، وفي الأثناء يُستأنف. ولو غسله في الكثير كفت المرّة بعد التعفير.
«ويستحبّ السبع» بالماء في الوُلوغ ، خروجاً من خلاف من أوجبها (١) وكذا يستحبّ السبع «في الفأرة والخنزير» للأمر بها في بعض الأخبار (٢) التي لم تنهض حجّةً على الوجوب. ومقتضى إطلاق العبارة الاجتزاء فيهما بالمرّتين كغيرهما.
والأقوى في وُلوغ الخنزير وجوب السبع بالماء؛ لصحّة روايته (٣) وعليه
____________________
*) في (ق) و (س) : مسحة.
١) وهو ابن الجنيد على ما حكاه عنه في المسالك ١ : ١٣٤ ، وروض الجنان ١ : ٤٦٢.
٢) راجع الوسائل ٢ : ١٠١٧ و ١٠٧٦ ، الباب ١٣ و ٥٣ من أبواب النجاسات ، الحديث الأوّل من البابين.
٣) وهي صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام على ما في روض الجنان ١ : ٤٦٣ ، وقد تقدّمت الإشارة إليها في التخريج السابق.
٧٠
المصنّف في باقي كتبه (١).
«و» يستحبّ «الثلاث في الباقي» من النجاسات؛ للأمر به في بعض الأخبار (٢).
«والغُسالة» وهي : الماء المنفصل عن المحلّ المغسول بنفسه أو بالعصر «كالمحلّ قبلها» أي قبل خروج تلك الغسالة ، فإن كانت من الغَسلة الاُولى وجب غَسل ما أصابته تمام العدد ، أو من الثانية فتنقص واحدة ، وهكذا.
وهذا يتمّ فيما يُغسل مرّتين لا لخصوص النجاسة ، أمّا المخصوص كالوُلوغ فلا؛ لأنّ الغسالة لا تسمّى وُلوغاً ، ومن ثَمّ لو وقع لعابه في الإناء بغيره لم يوجب حكمه.
وما ذكره المصنّف أجود الأقوال في المسألة ، وقيل : إنّ الغسالة كالمحلّ قبل الغَسل مطلقاً (٣) وقيل : بعده (٤) فتكون طاهرة مطلقاً ، وقيل : بعدها (٥).
ويستثنى من ذلك ماء الاستنجاء ، فغسالته طاهرةٌ مطلقاً ما لم تتغيّر بالنجاسة أو تُصَب (٦) نجاسة خارجة عن حقيقة الحدث المستنجى منه أو محلّه.
____________________
١) الذكرى ١ : ١٢٦ ، والبيان : ٩٣ ، والدروس ١ : ١٢٥.
٢) الوسائل ٢ : ١٠٧٦ ، الباب ٥٣ من أبواب النجاسات.
٣) قاله جماعة ، منهم الكيدري في الإصباح : ٢٥ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٥٥ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ١٤١ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٥٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٦٠.
٤) وهو اختيار الشيخ في المبسوط ١ : ٩٢ ، وابن ادريس في السرائر ١ : ٦١.
٥) وهو اختيار الشيخ في الخلاف ١ : ١٧٩ ، المسألة ١٣٥.
٦) في (ع) : ما لم يتغيّر أو يصب ، وفي (ف) : ما لم يتغيّر أو يصبه.
٧١
«الرابعة» :
«المطهِّر عشرة (١)» :
«الماء» وهو مطهِّرٌ «مطلقاً» من سائر النجاسات التي تقبل التطهير.
«والأرض» تطهِّر «باطنَ النعل» وهو : أسفله الملاصق للأرض «وأسفلَ القدم» مع زوال عين النجاسة عنهما بها بمشي ودَلكٍ وغيرهما. والحجر والرمل من أصناف الأرض. ولو لم يكن للنجاسة جرمٌ ولا رطوبةٌ كفى مسمّى الإمساس.
ولا فرق في الأرض بين الجافّة والرطبة ما لم تخرج عن اسم الأرض. وهل يشترط طهارتها؟ وجهان ، وإطلاق النصّ (٢) والفتوى يقتضي عدمه.
والمراد ب‍ «النعل» : ما يجعل أسفل الرِجل للمشي وقايةً من الأرض ونحوها ، ولو من خشب. وخشبة الأقطَع كالنعل.
«والتراب في الوُلوغ» فإنّه جزء علّةٍ للتطهير ، فهو مطهِّرٌ في الجملة.
____________________
١) قال الفاضل الإصفهاني : «جعله عشرة يحتمل أن يكون بعدّ الأرض والتراب واحداً ، وكذا نقص البئر وذهاب ثلثي العصير لكون كلٍّ منهما نقصاً ، ويكون العاشر زوال العين من البواطن. ويحتمل أن يكون العاشر هو الإسلام ويكون قد عدّ نقص البئر وذهاب ثلثي العصير مطهّرين ، أو عدّ الأرض والتراب مطهّرين ولا يكون عدّ الزوال من المطهّرات كما فعله في الدروس ... وقد اتّفقت كلمة المصنّف هنا وفي الدروس والبيان في جعل المطهّرات عشرة واختلفت في تعيينها» اُنظر المناهج السويّة : ١١٥ ، وراجع الدروس ١ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، والبيان : ٩٢.
٢) راجع الوسائل ٢ : ١٠٤٦ ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات.
٧٢
«والجسم الطاهر» غير اللَزج ولا الصَقيل (١) «في غير المتعدّي من الغائط».
«والشمس ما جفّفته» بإشراقها عليه وزالت عين النجاسة عنه «من الحُصُر والبواري» من المنقول «وما لا يُنقل» عادةً مطلقاً : من الأرض وأجزائها ، والنبات (٢) والأخشاب ، والأبواب المثبتة ، والأوتاد الداخلة ، والأشجار ، والفواكه الباقية عليها وإن حان أوان قطافها (٣).
ولا يكفي تجفيف الحرارة؛ لأنّها لا تُسمّى شمساً ، ولا الهواءُ المنفرد بطريقٍ أولى. نعم ، لا يضرّ انضمامه إليها. ويكفي في طهر الباطن الإشراق على الظاهر مع جفاف الجميع ، بخلاف المتعدّد المتلاصق إذا أشرقت على بعضه.
«والنار ما أحالته» رَماداً أو دُخاناً (٤) لا خزفاً وآجراً في أصحّ القولين ، وعليه المصنّف في غير البيان (٥) وفيه (٦) قوّى قول الشيخ بالطهارة فيهما (٧).
«ونقص البئر» بنزح المقدّر منه. وكما يطهر البئر بذلك فكذا حافّاته وآلات النزح والمباشر وما يصحبه حالته.
«وذهاب ثلثي العصير» مطهِّرٌ للثلث الآخر ـ على القول بنجاسته ـ والآلات والمزاول.
____________________
١) في (ر) : الصيقل.
٢) في (ش) : النباتات.
٣) بكسر القاف وفتحها.
٤) بتضعيف الخاء وتخفيفها.
٥) الدروس ١ : ١٢٥ ، والذكرى ١ : ١٣٠.
٦) البيان : ٩٢.
٧) اُنظر الخلاف ١ : ٤٩٩ ، المسألة ٢٣٩.
٧٣
«والاستحالة» كالميتة والعذرة تصير تراباً ودوداً ، والنطفة والعَلَقة تصير حيواناً غير الثلاثة ، والماء النجس بولاً لحيوانٍ مأكولٍ ولبناً ، ونحو ذلك.
«وانقلاب الخمر خَلّاً» وكذا العصير بعد غليانه واشتداده.
«والإسلام» مطهِّرٌ لبدن المسلم من نجاسة الكفر وما يتّصل به : من شعر ونحوه ، لا لغيره كثيابه.
«وتطهر العين والأنف والفم باطُنها وكلُّ باطنٍ» كالاُذن (١) والفرج «بزوال العين» ولا يطهر بذلك ما فيه من الأجسام الخارجة عنه ، كالطعام والكحل. أمّا الرطوبة الحادثة فيه ـ كالريق والدمع ـ فبحكمه. وطُهر (٢) ما يتخلّف في الفم من بقايا الطعام ونحوه بالمضمضة مرّتين على ما اختاره المصنّف من العدد ، ومرّةً في غير نجاسة البول على ما اخترناه (٣).
«ثمّ الطهارة» على ما علم من تعريفها «اسمٌ للوضوء والغُسل والتيمّم*» الرافع للحدث أو المبيح للصلاة على المشهور ، أو مطلقاً على ظاهر التقسيم.
____________________
١) بضمّ الذال وسكونها.
٢) في (ف) : يطهر.
٣) راجع الصفحة ٦٩.
*) في (ق) : أو الغسل أو التيمّم.
٧٤
«فهنا فصول ثلاثة *»
«الأوّل»
«في الوضوء»
بضمّ الواو : اسمٌ للمصدر ، فإنّ مصدره «التوضُّؤ» على وزن «التعلّم» وأمّا الوَضوء ـ بالفتح ـ فهو الماء الذي يُتوضّأ به. وأصله من «الوَضاءة» وهي النَّظافة والنَّضارة من ظلمة الذنوب.
«وموجِبه : البول والغائط والريح» من الموضع المعتاد ، أو من غيره مع انسداده.
واطلاق «الموجِب» على هذه الأسباب باعتبار إيجابها الوضوءَ عند التكليف بما هو شرطٌ فيه ، كما يطلق عليها «الناقض» باعتبار عروضها للمتطهِّر ، و «السبب» أعمّ منهما مطلقاً ، كما أنّ بينهما عموماً من وجه ، فكان التعبير ب‍ «السبب» أولى.
«والنوم الغالب» غلبةً مستهلكةً «على السمع والبصر» بل على مطلق الإحساس ، ولكنّ الغلبة على السمع تقتضي الغلبة على سائرها ، فلذا خصّه. أمّا البصر فهو أضعف من كثيرٍ منها ، فلا وجه لتخصيصه.
«ومزيل العقل» من جنون وسكر وإغماء.
____________________
*) في (س) : «فها هنا فصول» ولم ترد فيها : ثلاثة.
٧٥
«والاستحاضة» على وجهٍ يأتي تفصيله (١).
«وواجبه» : أي واجب الوضوء :
«النيّة» وهي : القصد إلى فعله «مقارنةً لغَسل الوجه» المعتبر شرعاً ، وهو أوّل جزءٍ من أعلاه؛ لأنّ ما دونه لا يسمّى غَسلاً شرعاً ، ولأنّ المقارنة تعتبر لأوّل أفعال الوضوء ، والابتداء بغير الأعلى لا يعدّ فعلاً «مشتملةً على» قصد «الوجوب» إن كان واجباً بأن كان في وقت عبادةٍ واجبةٍ مشروطةٍ به ، وإلّا نوى الندبَ ، ولم يذكره لأنّه خارجٌ عن الفرض (٢) «والتقرّب *» به إلى اللّٰه تعالى ، بأن يقصد فعله للّٰه‌امتثالاً لأمره ، أو موافقةً لطاعته ، أو طلباً للرفعة عنده بواسطته ، تشبيهاً بالقرب المكاني ، أو مجرّداً عن ذلك ، فإنّه تعالى غاية كلّ مقصد «والاستباحة» مطلقاً ، أو الرفع حيث يمكن ، والمراد رفع حكم الحدث ، وإلّا فالحدث إذا وقع لا يرتفع.
ولا شبهة في إجزاء النيّة المشتملة على جميع ذلك ، وإن كان في وجوب ما عدا القربة نظرٌ؛ لعدم نهوض دليلٍ عليه.
أمّا القربة فلا شبهة في اعتبارها في كلّ عبادة. وكذا تمييز العبادة عن غيرها حيث يكون الفعل مشتركاً ، إلّاأ نّه لا اشتراك في الوضوء حتّى في الوجوب والندب؛ لأنّه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّاواجباً ، وبدونه ينتفي.
«وجري الماء» بأن ينتقل كلّ جزءٍ من الماء عن محلّه إلى غيره بنفسه أو
____________________
١) يأتي في الصفحة ١٠١.
٢) ما أثبتناه من (ر) و (ش) ، وفي سائر النسخ : (الغرض).
*) في (ق) : التقرّب والوجوب.
٧٦
بمعين «على ما دار عليه الإ بهام» بكسر الهمزة «والوُسطى» من الوجه «عرضاً وما بين القصاص» ـ مثلّث القاف ـ وهو : منتهى منبت شعر الرأس «إلى آخر الذقَن» بالذال المعجمة والقاف المفتوحة منه «طولاً» مراعياً في ذلك مستوي الخلقة في‌الوجه واليدين.
ويدخل في الحدّ مواضع التحذيف ـ وهي : ما بين منتهى العِذار والنَزَعَة المتّصلة بشعر الرأس ـ والعِذار والعارض ، لا النَزَعَتان بالتحريك ، وهما : البياضان المكتنفان للناصية.
«وتخليل خفيف الشعر» وهو ما تُرى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب ، دون الكثيف وهو خلافه. والمراد بتخليله : إدخال الماء خلاله لغَسل البشرة المستورة به. أمّا الظاهرة خلاله فلابدّ من غسلها ، كما يجب غَسل جزءٍ آخر ممّا جاورها من المستورة من باب المقدّمة.
والأقوى عدم وجوب تخليل الشعر مطلقاً وفاقاً للمصنّف في الذكرى والدروس (١) وللمُعْظم (٢) ويستوي في ذلك شعر اللحية والشارب والخدّ والعِذار والحاجب والعَنْفَقَة والهُدُب.
«ثمّ» غسل اليد «الُيمنى من المرْفق» بكسر الميم وفتح الفاء أو بالعكس ، وهو : مجمع عظمي الذراع والعَضُد ، لا نفس المفصل «إلى أطراف الأصابع ثُمّ» غسل «اليسرى كذلك» وغسل ما اشتملت عليه الحدود : من لحمٍ زائدٍ وشعرٍ ويدٍ وإصبع ، دون ما خرج وإن كان يداً ، إلّاأن تشتبه الأصليّة
____________________
١) الذكرى ٢ : ١٢٤ ، الدروس ١ : ٩١.
٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٠ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ١٤٢ ، والعلّامة في المنتهى ٢ : ٢٤ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢١٤.
٧٧
فتغسلان معاً من باب المقدّمة.
«ثمّ مسح مقدّم الرأس» أو شعره الذي لا يخرج بمدّه عن حدّه ، واكتفى المصنّف بالرأس تغليباً لاسمه على مانبت عليه «بمسمّاه» أي مسمّى المسح ، ولو بجزءٍ من اصبع ، مُمِرّاً له على الممسوح ليتحقّق اسمه ، لا بمجرّد وضعه.
ولا حدّ لأكثره ، نعم يكره الاستيعاب ، إلّاأن يعتقد شرعيّته فيحرم ، وإن كان الفضل في مقدار ثلاث أصابع.
«ثمّ مسح» بَشَرَة ظهر «الرجل اليمنى» من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ، وهما : قُبّتا القدمين ، على الأصحّ. وقيل : إلى أصل الساق (١) وهو مختاره في الألفيّة (٢).
«ثمّ» مسح ظهر «اليسرى» كذلك «بمسمّاه» في جانب العرض «ببقيّة البلل» الكائن على أعضاء الوضوء من مائه «فيهما» أي في المسحين.
وفهم من إطلاقه المسح أنّه لا ترتيب فيهما في نفس العضو ، فيجوز النَّكس فيه دون الغسل؛ للدلالة عليه ب‍ «من» و «إلى» (٣) وهو كذلك فيهما على أصحّ القولين (٤) وفي الدروس رجّح منع النَّكس في الرأس دون الرجلين (٥) وفي البيان
____________________
١) قاله العلّامة في المختلف ١ : ٢٩٣ ، والفاضل المقداد في كنز العرفان ١ : ١٨ ، وابن فهد في الموجز (الرسائل العشر) : ٤١.
٢) الألفيّة : ٤٤.
٣) في قول الماتن قدس سره.
٤) اختاره المحقّق في الشرائع ١ : ٢٢ ، والنافع : ٦ ، والعلّامة في القواعد ١ : ٢٠٣ ، والإرشاد ١ : ٢٢٣ وغيرهما ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢١٩ و ٢٢١.
٥) قال في الرأس : «ولا يجوز استقبال الشعر فيه على المشهور» وفي الرجلين : «ولا يجزي النكس على الأولى» اُنظر الدروس ١ : ٩٢.
٧٨
عكس ومثله في الألفيّة (١).
«مرتّباً» بين أعضاءالغَسل والمسح : بأن يبتدئ بغسل الوجه ، ثمّ باليد اليمنى ، ثمّ اليسرى ، ثمّ بمسح الرأس ، ثمّ الرجل اليمنى ، ثمّ اليسرى. فلو عكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب مع بقاء الموالاة. وأسقط المصنّف في غير الكتاب الترتيبَ بين الرجلين (٢).
«موالياً» في فعله «بحيث لا يجفّ السابق» من الأعضاء على العضو الذي هو فيه مطلقاً على أشهر الأقوال (٣) والمعتبر في الجفاف : الحسّي لا التقديري ، ولا فرق فيه بين العامد والناسي والجاهل.
«وسننه : السِّواك» وهو دَلْك الأسنان بعود وخِرقة ، وإصبع ونحوها ، وأفضله الغُصن الأخضر ، وأكمله الأراك. ومحلّه قبل غَسل الوضوء الواجب والندب كالمضمضة ، ولو أخّره عنه أجزأ.
واعلم أن السِّواك سنّةٌ مطلقاً ، ولكنّه يتأكّد في مواضع ، منها : الوضوء والصلاة ، وقراءة القرآن ، واصفرار الأسنان وغيره.
«والتسمية» وصورتها : «بسم اللّٰه وباللّٰه» ويستحبّ إتباعها بقوله : «اللّهُمّ اجعَلْني من التَّوّابِيْنَ واجعَلْني من المُتَطَهِّرِين» ولو اقتصر على «بسم اللّٰه» أجزأ. ولو نسيها ابتداءً تداركها حيث ذكر قبل الفراغ كالأكل ، وكذا لو تركها عمداً.
____________________
١) البيان : ٤٧ ـ ٤٨ ، الألفيّة : ٤٤.
٢) الذكرى ٢ : ١٦٣ ، والألفيّة : ٤٤ ، ولكن في الدروس (١ : ٩٢) حكم بعدم الإجزاء احتياطاً لو خالف الترتيب.
٣) متعلّقٌ بمجموع ما ذكر ، المناهج السويّة : ١٦٢.
٧٩
«وغسل اليدين» من الزَّندين (١) «مرّتين» من حدث النوم والبول والغائط ، لا من مطلق الحدث ـ كالريح ـ على المشهور. وقيل : من الأوّلين مرّةً (٢) وبه قطع في الذكرى (٣) وقيل : مرّةً في الجميع ، واختاره في النفليّة ونسب التفصيل إلى المشهور (٤) وهو الأقوى. ولو اجتمعت الأسباب تداخلت إن تساوت ، وإلّا دخل الأقلّ تحت الأكثر.
وليكن الغَسل «قبل إدخالهما الإناء» الذي يمكن الاغتراف منه؛ لدفع النجاسة الوهميّة أو تعبّداً.
ولا يعتبر (٥) كون الماء قليلاً؛ لإطلاق النص (٦) خلافاً للعلّامة حيث اعتبره (٧).
«والمَضْمَضَة» وهي : إدخال الماء الفم وإدارته فيه «والاستنشاق» وهو جذبه إلى داخل الأنف «وتثليثهما» بأن يفعل كلّ واحدٍ منهما ثلاثاً ولو بغُرْفةٍ واحدة ، وبثلاث أفضل. وكذا يستحبّ تقديم المضمضة أجمع على الاستنشاق ، والعطف ب‍ «الواو» لا يقتضيه.
«وتثنية الغَسَلات» الثلاث بعد تمام الغَسلة الاُولى في المشهور ، وأنكرها الصدوق (٨).
____________________
١) للمصنّف في هذه المسألة ثلاثة أقوال. (منه رحمه الله).
٢) كما في الخلاف ١ : ٧٣ ، والغنية : ٦٠ ، والكافي : ١٣٣ ، والمعتبر ١ : ١٦٥ ، والمنتهى ١ : ٢٩٦.
٣) الذكرى ٢ : ١٧٥.
٤) النفليّة : ٩٢ ـ ٩٣.
٥) أي في استحباب الغَسل.
٦) اُنظر الوسائل ١ : ٣٠٠ ، الباب ٢٧ من أبواب الوضوء.
٧) اُنظر المنتهى ١ : ٢٩٦.
٨) اُنظر الفقيه ١ : ٤٧ ، ذيل الحديث ٩٢ ، والهداية : ٨٠.
٨٠
«والدعاء عند كلّ فعلٍ» من الأفعال الواجبة والمستحبّة المتقدّمة ، بالمأثور.
«وبَدأة الرجل» في غسل اليدين «بالظَّهر ، وفي» الغَسلة «الثانية بالبطن ، عكس المرأة» فإنّ السُّنة لها البدأة بالبطن والختم بالظَّهر ، كذا ذكره الشيخ (١) وتبعه عليه المصنّف هنا وجماعة (٢).
والموجود في النصوص : بَدأة الرجل بظاهر (٣) الذراع والمرأة بباطنه (٤) من غير فرقٍ فيهما بين الغسلتين ، وعليه الأكثر (٥).
«ويتخيّر الخنثى*» بين البَدأة بالظَّهر والبطن على المشهور ، وبين الوظيفتين على المذكور.
«والشاكّ فيه **» أي في الوضوء «في أثنائه يستأنف» والمراد ب‍ «الشكّ فيه نفسه في الأثناء» الشكّ في نيّته؛ لأنّه إذا شكّ فيها فالأصل عدمها ومع ذلك لا يعتدّ بما وقع من الأفعال بدونها ، وبهذا صدق الشكّ في أثنائه.
____________________
١) اُنظر المبسوط ١ : ٢٠ ـ ٢١.
٢) كابن زهرة في الغنية : ٦١ ، وابن ادريس في السرائر ١ : ١٠١ ، والكيدري في الإصباح : ٣٠ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٢٤ ، والعلّامة في قواعد الأحكام ١ : ٢٠٤.
٣) في (ش) و (ع) : بظهر.
٤) اُنظر الوسائل ١ : ٣٢٨ ، الباب ٤٠ من أبواب الوضوء.
٥) كالشيخ في النهاية : ١٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٢ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ١٦٧ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ٣٠٨ ، وظاهر المصنّف في الذكرى ٢ : ١٨٥.
*) في (ق) زيادة : فيه.
**) لم يرد «فيه» في (س).
٨١
وأمّا الشكّ في أنّه هل توضّأ أو هل شرع فيه أم لا؟ فلا يتصوّر تحقّقه في الأثناء. وقد ذكر المصنّف في مختصريه (١) الشكّ في النيّة في أثناء الوضوء وأ نّه يستأنف ، ولم يعبّر ب‍ «الشك في الوضوء» إلّاهنا.
«و» الشاكّ فيه بالمعنى المذكور «بعده» أي بعد الفراغ «لا يلتفت» كما لو شكّ في غيرها من الأفعال.
«و» الشاكّ «في البعض يأتي به» أي بذلك البعض المشكوك فيه إذا وقع الشكّ «على حاله» أي حال الوضوء بحيث لم يكن فرغ منه ، وإن كان قد تجاوز ذلك البعض «إلّامع الجَفاف» للأعضاء السابقة عليه «فيعيد» لفوات الموالاة.
«و» لو شكّ في بعضه «بعد انتقاله» عنه وفراغه منه «لا يلتفت» والحكم منصوصٌ (٢) متّفقٌ عليه.
«والشاكّ في الطهارة» مع تيقّن الحدث «محدثٌ» لأصالة عدم الطهارة «والشاكّ في الحدث» مع تيقّن الطهارة «متطهِّرٌ» أخذاً بالمتيقّن.
«و» الشاكّ «فيهما» أي في المتأخّر منهما مع تيقّن وقوعهما «محدثٌ» لتكافؤ الاحتمالين ، إن لم يَستفد من الاتّحاد والتعاقب حكماً آخر ، هذا هو الأقوى والمشهور. ولا فرق بين أن يَعلم حاله قبلهما بالطهارة ، أو بالحدث ، أو يَشكّ.
وربّما قيل : بأ نّه يأخذ ـ مع علمه بحاله ـ ضدَّ ما علمه (٣) لأنّه إن كان متطهِّراً
____________________
١) البيان : ٥٢ ، والدروس ١ : ٩٤.
٢) أي الحكم في المقامين ، المناهج السويّة : ١٦٧ وانظر الوسائل ١ : ٣٣٠ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ١ و ٢ و ٧.
٣) احتمله المحقّق في المعتبر ١ : ١٧١.
٨٢
فقد علم نقض تلك الحالة وشكّ في ارتفاع الناقض لجواز تعاقب الطهارتين ، وإن كان محدثاً فقد علم انتقاله عنه بالطهارة وشكّ في انتقاضها بالحدث؛ لجواز تعاقب الأحداث.
ويشكل : بأنّ المتيقّن حينئذٍ ارتفاع الحدث السابق ، أمّا اللاحق المتيقّن وقوعه فلا ، وجواز تعاقبه لمثله مكافئٌ (١) لتأخّره عن الطهارة ، ولا مرجّح. نعم (٢) لو كان المتحقّق طهارةً رافعةً وقلنا بأنّ المجدّد (٣) لا يرفع أو قطع بعدمه ، توجّه الحكم بالطهارة في الأوّل ، كما أنّه لو علم عدم تعاقب الحدثين بحسب عادته أو في هذه الصورة ، تحقّق الحكم بالحدث في الثاني ، إلّاأ نّه خارجٌ عن موضع النزاع ، بل ليس من حقيقة الشكّ في شيءٍ إلّابحسب ابتدائه.
وبهذا يظهر ضعف القول باستصحاب الحالة السابقة (٤) بل بطلانه.
(مسائل)
«مسائل يجب على المتخلّي ستر العورة» قُبُلاً ودُبراً عن ناظر محترم «وترك *» استقبال «القبلة» بمقاديم بدنه «ودَبْرها» كذلك ، في البناء وغيره.
«وغَسل البول بالماء» مرّتين كما مرّ (٥) «و» كذا يجب غسل «الغائط»
____________________
١) في (ر) : متكافئ.
٢) في غير (ر) بدل «نعم» : و.
٣) في (ع) و (ف) : المتجدّد.
٤) وهو قول العلّامة في المختلف ١ : ٣٠٨ ، والتذكرة ١ : ٢١١ ، والقواعد ١ : ٢٠٥.
*) في هامش (س) زيادة «استقبال» تصحيحاً.
٥) مرّ في الصفحة ٦٩.
٨٣
بالماء «مع التعدّي» للمخرَج ، بأن تجاوز حواشيه وإن لم يبلغ الألية.
«وإلّا» أي وإن لم يتعدّ الغائطُ المخرَجَ «فثلاثة أحجارٍ» طاهرةٍ جافّةٍ قالعةٍ للنجاسة «أبكارٍ» لم يُستنج بها بحيث تنجّست به «أو بعد طهارتها» إن لم تكن أبكاراً وتنجّست. ولو لم تتنجّس ـ كالمكمّلة للعدد بعد نقاء المحلّ ـ كفت من غير اعتبار الطُّهر «فصاعداً» عن الثلاثة إن لم يَنق المحلّ بها «أو شبهها» من ثلاث خِرَقٍ أو خزفاتٍ أو أعوادٍ ، ونحو ذلك من الأجسام القالعة للنجاسة غير المحترمة. ويعتبر العدد في ظاهر النصّ (١) وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة ، فلا يُجزي ذو الجهات الثلاث ، وقطع المصنّف في غير الكتاب (٢) بإ جزائه. ويمكن إدخاله على مذهبه في «شبهها».
واعلم أنّ الماء مجزٍ مطلقاً ، بل هو أفضل من الأحجار على تقدير إجزائها ، وليس في عبارته هنا ما يدلّ على إجزاء الماء في غير المتعدّي. نعم ، يمكن استفادته من قوله سابقاً : «الماء مطلقاً» ولعلّه اجتزأ به.
«ويستحبّ التباعد» عن الناس بحيث لا يُرى؛ تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله فإنّه لم يُرَ قطُّ على بولٍ ولا غائط (٣).
«والجمعُ بين المطهِّرين» الماء والأحجار ، مقدِّماً للأحجار في المتعدّي وغيره مبالغةً في التنزيه ، ولإزالة العين والأثر على تقدير إجزاء الحجر. ويظهر
____________________
١) اُنظر الوسائل ١ : ٢٤٦ ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.
٢) البيان : ٤٣ ، والدروس ١ : ٨٩ ، والذكرى ١ : ١٧٠ ، وظاهر الألفيّة : ٤٨ ـ ٤٩.
٣) لم نقف عليه في المصادر الحديثيّة من العامّة والخاصّة ، ورواه في الوسائل عن الشهيد الثاني في شرح النفليّة ، اُنظر الوسائل ١ : ٢١٥ ، الباب ٤ من أحكام الخلوة ، الحديث ٣ ، والفوائد المليّة : ٣٧.
٨٤
من إطلاق «المطهِّر» استحبابُ عددٍ من الأحجار يطهِّر (١) ويمكن تأدّيه بدونه لحصول الغرض.
«وتركُ استقبال» جِرْم «النيّرين» ـ الشمس والقمر ـ بالفرج ، أمّا جهتهما فلا بأس «و» تركُ استقبال «الريح» واستدبارها بالبول والغائط لإطلاق الخبر (٢) ومن ثَمّ أطلق المصنّف ، وإن قيّد في غيره ب‍ «البول» (٣).
«وتغطيةُ الرأس» إن كان مكشوفاً؛ حذراً من وصول الرائحة الخبيثة إلى دِماغه ، وروي : التقنّع معها (٤).
«والدخول ب‍» الرجل «اليسرى» إن كان ببناءٍ ، وإلّا جعلها آخر ما يقدّمه. «والخروج ب‍» الرجل «اليمنى» كما وصفناه ، عكس المسجد.
«والدعاء في أحواله» التي ورد استحباب الدعاء فيها ـ وهي : عند الدخول ، وعند الفعل ، ورؤية الماء ، والاستنجاء ، وعند مسح بطنه إذا قام من موضعه ، وعند الخروج ـ بالمأثور (٥).
«والاعتماد على» الرجل «اليسرى» وفتح اليمنى.
«والاستبراء» وهو : طلب براءة المحلّ من البول بالاجتهاد ، الذي هو :
____________________
١) في (ر) : مطهِّر.
٢) في روض الجنان (١ : ٨٤) : «لا تستقبل الريح ولا تستدبرها» شاملة لهما ، راجع الوسائل ١ : ٢١٣ ، الباب ٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.
٣) كما في البيان : ٤٢ ، والنفليّة : ٩١ ، لكن أطلقه في الذكرى ١ : ١٦٤ ، والدروس ١ : ٨٩ ، كما هنا.
٤) اُنظر الوسائل ١ : ٢١٤ ، الباب ٣ من أبواب الطهارة ، الحديث ٢ و ٣.
٥) أورده في روض الجنان ١ : ٨٢.
٨٥
مسح ما بين المقعدة وأصل القضيب ثلاثاً ، ثمّ نَتْره (١) ثلاثاً ، ثمّ عصر الحشفة ثلاثاً.
«والتَّنَحْنُح ثلاثاً» حالة الاستبراء ، ونسبه المصنّف في الذكرى إلى سلّار (٢) لعدم وقوفه على مأخذه.
«والاستنجاء باليسار» لأنّها موضوعةٌ للأدنى ، كما أنّ اليمين للأعلى كالأكل والوضوء.
«ويكره باليمنى» مع الاختيار؛ لأنّه من الجَفاء «و» يكره البول «قائماً» حذراً من تخبيل الشيطان (٣) «ومطمِّحاً» به في الهواء للنهي عنه (٤) «وفي الماء» جارياً وراكداً؛ للتعليل في أخبار النهي : بأنّ للماء أهلاً فلا تُؤذِهم بذلك (٥).
«و» الحدثُ في «الشارع» وهو : الطريق المَسْلوك «والمشرَع» وهو : طريق الماء للواردة «والفِناء» بكسر الفاء ، وهو : ما امتدّ من جوانب الدار ، وهو حريمها خارج المملوك منها «والملعَن» وهو : مجمع الناس أو منزلهم أو قارعة الطريق أو أبواب الدور «و» تحت الشجرة «المثمرة» وهي : ما من شأنها أن تكون مثمرةً وإن لم تكن كذلك بالفعل ، ومحلّ الكراهة ما يمكن أن تبلغه الثمار عادةً وإن لم يكن تحتها «وفيء النُزّال» وهو : موضع الظلّ المعدّ لنزولهم ، أو ما هو أعمّ منه كالمحلّ الذي يرجعون إليه وينزلون به ، من
____________________
١) نتر الشيء : جذبه بشدّة.
٢) الذكرى ١ : ١٦٨ ، وانظر المراسم : ٣٢.
٣) اُنظر الوسائل ١ : ٢٤٩ ، الباب ٣٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٧.
٤) المصدر نفسه ، ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، الأحاديث ١ ، ٤ ، ٨.
٥) المستدرك ١ : ٢٧١ ، الباب ١٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.
٨٦
«فاء يفيء» إذا رجع «والجِحَرَة» بكسر الجيم وفتح الحاء والراء المهملتين ، جمع «جُحر» بالضم فالسكون ، وهي : بيوت الحشار.
«والسِّواكُ» حالته ، روي : أنّه يورث البَخَر (١).
«والكلامُ» إلّابذكر اللّٰه تعالى «والأكلُ والشربُ» لما فيه من المهانة ، وللخبر (٢).
«ويجوز حكاية الأذان» إذا سمعه (٣) على المشهور ، و «ذكر اللّٰه» لا يشمله أجمع؛ لخروج «الحيَّعلات» منه؛ ومن ثمّ حكاه المصنّف في الذكرى بقوله : وقيل (٤).
«وقراءة آية الكرسي» وكذا مطلق حمد اللّٰه وشكره وذكره؛ لأنّه حَسَنٌ على كلّ حال «وللضرورة» كالتكلّم لحاجةٍ يخاف فوتها لو أخّره إلى أن يفرغ.
ويستثنى أيضاً الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله عند سَماع ذكره ، و «الحَمْدلة» عند العُطاس منه ومن غيره ، وهو من الذكر. وربّما قيل باستحباب التَّسْميت (٥) منه أيضاً (٦). ولا يخفى وجوبُ ردّ السلام وإن كره السلام عليه. وفي كراهة ردّه مع
____________________
١) الوسائل ١ : ٢٣٧ ، الباب ٢١ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث الأوّل.
٢) قال قدس سره في روض الجنان : «لتضمّنه مهانة النفس ، ولفحوى ما روي عن الباقر عليه السلام أنّه وجد لقمة في القذر ...» اُنظر روض الجنان ١ : ٨٥ ، وراجع الوسائل ١ : ٢٥٤ ، الباب ٣٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث الأوّل.
٣) في (ر) وهامش (ع) زيادة : ولا سند له ظاهراً.
٤) الذكرى ١ : ١٦٦.
٥) سَمَّتَ للعاطس : دعا له بقوله : «رحمك اللّٰه» أو نحوه.
٦) القائل العلّامة في نهاية الإحكام ١ : ٨٤ ، والمنتهى ١ : ٢٤٩.
٨٧
تأديّ الواجب بردّ غيره وجهان.
واعلم أنّ المراد ب‍ «الجواز» في حكاية الأذان ـ وما في معناه ـ معناه الأعمّ؛ لأنّه مستحبٌّ لا يستوي طرفاه ، والمراد منه هنا الاستحباب؛ لأنّه عبادة لا تقع إلّاراجحة وإن وقعت مكروهة ، فكيف إذا انتفت الكراهة.
٨٨
«الفصل الثاني»
«في الغُسل»
«وموجبه» ستّةٌ : «الجَنابةُ» بفتح الجيم «والحيضُ والاستحاضةُ مع غَمس القُطنة» سواء سال عنها أم لا؛ لأنّه موجبٌ حينئذٍ في الجملة «والنفاسُ ومسُّ الميّت النجس» في حال كونه «آدميّاً».
فخرج الشهيد والمعصوم ومن تمّ غسله الصحيح وإن كان متقدّماً على الموت ، كمن قدّمه ليُقتل فقُتل بالسبب الذي اغتسل له. وخرج ب‍ «الآدمي» غيرهُ من الميتات الحيوانيّة ، فإنّها وإن كانت نجسةً إلّاأنّ مسّها لا يوجب غسلاً ، بل هي كغيرها من النجاسات في أصحّ القولين (١) وقيل : يجب غَسل ما مسّها وإن لم يكن برطوبة (٢).
«والموتُ» المعهود شرعاً ، وهو موت المسلم ومن بحكمه غير الشهيد.
____________________
١) وهو اختيار المحقّق الثاني أيضاً في جامع المقاصد ١ : ١٧٤ ، والمصنّف في الذكرى ١ : ١٣٣.
٢) قاله العلّامة في المنتهى ٢ : ٤٥٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٧٣ ، والقواعد ١ : ٢٣٤.
٨٩
«وموجِب الجَنابة»
شيئان :
أحدهما : «الإنزال» للمني يَقَظَةً ونوماً «و» الثاني : «غيبوبة الحشفة» وما في حكمها ، كقدرها من مقطوعها «قُبُلاً أو دُبراً» من آدميٍّ وغيره ، حيّاً وميّتاً ، فاعلاً وقابلاً «أنزل» الماء «أو لا».
ومتى حصلت الجَنابة لمكلّفٍ بأحد الأمرين تعلّقت به الأحكام المذكورة :
«فيحرم عليه قراءة العزائم» الأربع وأبعاضها ، حتى البَسْمَلَة وبعضها إذا قصدها لأحدها.
«واللبثُ في المساجد» مطلقاً «والجواز في المسجدين» الأعظمين بمكّة والمدينة «ووضعُ شيءٍ فيها» أي في المساجد مطلقاً وإن لم يستلزم الوضعُ اللبثَ ، بل لو طرحه من خارج ، ويجوز الأخذ منها.
«ومسُّ خطّ المُصْحَف» وهو كلماته وحروفه المفردة وما قام مقامها ـ كالتشديد والهمزة ـ بجزءٍ من بدنه (١) تحلّه الحياة «أو اسمِ اللّٰه تعالى» مطلقاً «أو» اسمِ «النبيّ أو» أحد «الأئمّة عليهم السلام» المقصود بالكتابة ولو على درهم أو دينار في المشهور (٢).
«ويكره» له «الأكل والشرب حتّى يتمضمض ويستنشق» أو يتوضّأ ،
____________________
١) في (ف) زيادة : الذي.
٢) والقول الآخر هو جواز مسّ اسم اللّٰه تعالى ـ على كراهية ـ إذا كان منقوشاً على الدراهم والقلائد ، ذهب إليه ابن فهد في المقتصر : ٤٨.
٩٠
فإن أكل قبل ذلك خيف عليه البَرَص ، وروي : أنّه يورث الفقر (١) ويتعدّد بتعدّد الأكل والشرب مع التراخي عادةً لا مع الاتّصال.
«والنومُ إلّابعد الوضوء» وغايته هنا إيقاع النوم على الوجه الكامل (٢). وهو غير مبيح؛ إمّا لأنّ غايته الحدث ، أو لأنّ المبيح للجنب هو الغسل خاصّة.
«والخضابُ» بحِنّاءٍ وغيره. وكذا يكره له أن يجنب وهو مختضب.
«وقراءة ما زاد على سبع آيات» في جميع أوقات جنابته. وهل يصدق العدد بالآية المكرّرة سبعاً؟ وجهان.
«والجوازُ في المساجد» غير المسجدين ، بأن يكون للمسجد بابان فيدخل من أحدهما ويخرج من الآخر. وفي صدقه بالواحد من غير مكثٍ وجهٌ. نعم ، ليس له التردّد في جوانبه بحيث يخرج عن المجتاز.
«وواجبه : النيّة» وهي القصد إلى فعله متقرّباً ، وفي اعتبار الوجوب والاستباحة أو الرفع ما مرّ (٣) «مقارنةً» لجزءٍ من الرأس ومنه الرقبة إن كان مرتّباً ، ولجزءٍ من البدن إن كان مرتمساً بحيث يتبعه الباقي بغير مهلة.
«وغسلُ الرأس والرقبة» أوّلاً ، ولا ترتيب بينهما؛ لأنّهما فيه عضوٌ واحد ، ولا ترتيب في نفس أعضاء الغُسل بل بينهما ، كأعضاء مسح الوضوء ، بخلاف أعضاء غَسله فإنّه فيها وبينها.
«ثمّ» غَسل الجانب «الأيمن ثمّ الأيسر» كما وصفناه ، والعورة تابعة للجانبين. ويجب إدخال جزءٍ من حدود كلّ عضوٍ من باب المقدّمة كالوضوء.
____________________
١) الوسائل ١ : ٤٩٥ ـ ٤٩٦ ، الباب ٢٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥ و ٦.
٢) في (ف) بدل «الكامل» : الأكمل.
٣) مرّ في الوضوء ، الصفحة ٧٦.
٩١
«وتخليلُ مانع وصول الماء» إلى البشرة ، بأن يُدخِل الماء خلاله إلى البشرة على وجه الغَسل.
«ويستحبّ الاستبراء» للمُنزِل ـ لا لمطلق الجنب ـ بالبول ليزيل أثر المنيّ الخارج ، ثمّ بالاجتهاد بما تقدّم من الاستبراء. وفي استحبابه به (١) للمرأة قولٌ ، فتستبرئ عَرْضاً ، أمّا بالبول فلا؛ لاختلاف المخرجين.
«والمضمضةُ والاستنشاقُ» كما مرّ (٢) «بعد غَسل اليدين ثلاثاً» من الزَندين ، وعليه المصنّف في الذكرى (٣) وقيل : من المرفقين (٤) واختاره في النفليّة (٥) وأطلق في غيرهما (٦) كما هنا ، وكلاهما مؤدٍّ للسنّة وإن كان الثاني أولى.
«والموالاةُ» بين الأعضاء بحيث كلّما فرغ من عضوٍ شرع في الآخر ، وفي غَسل نفس العضو؛ لما فيه من المسارعة إلى الخير والتحفّظ من طريان المفسِد. ولا تجب في المشهور إلّالعارض ، كضيق وقت العبادة المشروطة به ، وخوف فجأة الحدث للمستحاضة ، ونحوها. وقد تجب بالنذر؛ لأنّه راجح.
«ونَقضُ المرأة الضفائر» جمع «ضفيرة» وهي : العَقيصَة المجدولة من الشعر ، وخَصّ المرأة؛ لأنّها مورد النصّ (٧) وإلّا فالرجل كذلك؛ لأنّ الواجب غَسل
____________________
١) لم يرد «به» في (ع) و (ف).
٢) في الوضوء.
٣) الذكرى ٢ : ٢٣٨.
٤) قال في الذكرى : «وقال الجعفي : يغسلهما إلى المرفقين أو إلى نصفهما ...».
٥) النفليّة : ٩٦.
٦) البيان : ٥٥ ، والدروس ١ : ٩٦.
٧) اُنظر الوسائل ١ : ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، الباب ٣٨ من أبواب الجنابة ، الأحاديث ١ ، ٢ ، ٥.
٩٢
البشرة دون الشعر ، وإنّما استُحبّ النقض للاستظهار والنصّ.
«وتثليثُ الغَسل» لكلّ عضوٍ من أعضاء البدن الثلاثة ، بأن يغسله ثلاث مرّات.
«وفعلُه» أي الغُسل بجميع سُنَنه الذي من جملته تثليثه «بصاعٍ» لا أزيد ، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : «الوُضوء بمُدٍّ ، والغُسل بصاعٍ ، وسيأتي أقوامٌ بعدي يستقلّون ذلك ، فاُولئك على خلاف سنّتي ، والثابتُ على سنّتي معي في حَظيرة القُدس» (١).
«ولو وجد» المجنب بالإنزال «بَلَلاً» مشتبهاً «بعد الاستبراء» بالبول أو الاجتهاد مع تعذّره «لم يلتفت ، وبدونه» أي بدون الاستبراء بأحد الأمرين «يغتسل» ولو وجده بعد البول من دون الاستبراء بعده وجب الوضوء خاصّةً ، أمّا الاجتهاد بدون البول مع إمكانه فلا حكم له.
«والصلاةُ السابقة» على خروج البلل المذكور «صحيحةٌ» لارتفاع حكم السابق ، والخارجُ حدثٌ جديد وإن كان قد خرج عن محلّه (٢) إلى محلٍّ آخر. وفي حكمه ما لو أحسّ بخروجه فأمسك عليه فصلّى ثمّ أطلقه.
«ويسقط الترتيب» بين الأعضاء الثلاثة «بالارتماس» وهو غَسل البدن أجمع دفعةً واحدةً عرفيّةً ، وكذا ما أشبهه كالوقوف تحت المجرى والمطر الغزيرين؛ لأنّ البدن يصير به عضواً واحداً.
«ويعاد» غسل الجنابة «بالحدث» الأصغر «في أثنائه على
____________________
١) الوسائل ١ : ٣٣٩ ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.
٢) في (ف) : محلّ.
٩٣
الأقوى» عند المصنّف وجماعة (١) وقيل : لا أثر له مطلقاً (٢) وفي ثالث : يوجب الوضوء خاصّة (٣) وهو الأقرب ، وقد حقّقنا القول في ذلك برسالةٍ مفردة (٤).
أمّا غير غسل الجنابة من الأغسال فيكفي إتمامه مع الوضوء قطعاً. وربّما خرّج بعضهم (٥) بطلانه كالجنابة ، وهو ضعيف جدّاً.
«وأمّا الحَيض»
«فهو ما» أي الدم الذي «تراه المرأة بعد» إكمال «تسع» سنين هلاليّة «وقبل» إكمال «ستّين» سنة «إن كانت» المرأة «قُرَشيّة» وهي المنتسبة بالأب إلى النضر بن كنانة ، وهي أعمّ من الهاشميّة ، فمن عُلم انتسابها إلى قريش بالأب لزمها حكمُها ، وإلّا فالأصل عدم كونها منها «أو نَبَطيّة» منسوبة إلى «النَّبَط» وهم ـ على ما ذكره الجوهري (٦) ـ : قوم ينزلون البطائح بين
____________________
١) كالصدوقين والشيخ والكيدري وابن سعيد والعلّامة والفاضل المقداد ، اُنظر الفقيه ١ : ٨٨ ، ذيل الحديث ١٩١ ، والهداية : ٩٦ ، والمبسوط ١ : ٢٩ ـ ٣٠ ، والإصباح : ٣٣ ، والجامع : ٤٠ ، والقواعد ١ : ٢١٠ ، والتنقيح الرائع ١ : ٩٨.
٢) قاله القاضي في جواهر الفقه : ١٢ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ١١٩ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢٧٦.
٣) اختاره السيّد ـ على ما حكاه عنه في المعتبر ـ والمحقّق وتلميذه الفاضل الآبي ، اُنظر المعتبر ١ : ١٩٦ ، وكشف الرموز ١ : ٧٣.
٤) اُنظر رسائل الشهيد الثاني ١ : ١٣٥ ـ ١٥٩.
٥) كالعلّامة في التحرير ١ : ٩٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٩٨.
٦) الصحاح ٣ : ١١٦٢ ، (نبط).
٩٤
العراقين ، والحكم فيها مشهور ، ومستنده غير معلوم ، واعترف المصنّف بعدم وقوفه فيها على نصّ (١) والأصل يقتضي كونها كغيرها.
«وإلّا» يكن كذلك «فالخمسون» سنة مطلقاً غاية إمكان حيضها.
«وأقلّه ثلاثة» أيام «متوالية» فلا يكفي كونها في جملة عشرةٍ على الأصحّ «وأكثره عشرة» أيّام ، فما زاد عنها ليس بحيضٍ إجماعاً.
«وهو أسودُ أو أحمرُ حارٌّ له دفعٌ» وقوّةٌ عند خروجه «غالباً» قيّد ب‍ «الغالب» ليندرج فيه ما أمكن كونه حيضاً ، فإنّه يحكم به وإن لم يكن كذلك ، كما نبّه عليه بقوله :
«ومتى أمكن كونه» أي الدم «حيضاً» بحسب حال المرأة بأن تكون بالغةً غير يائسة ، ومدّتِه بأن لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة ، ودوامِه كتوالي الثلاثة ، ووصفِه كالقويّ مع التمييز (٢) ومحلِّه كالجانب إن اعتبرناه ، ونحو ذلك «حُكم به».
وإنّما يعتبر الإمكان بعد استقراره فيما يتوقّف عليه ، كأيّام الاستظهار ، فإنّ الدم فيها يمكن كونه حيضاً ، إلّاأنّ الحكم به موقوف على عدم عبور العشرة ، ومثلُه القولُ في أوّل رؤيته مع انقطاعه قبل الثلاثة.
«ولو تجاوز» الدمُ «العشرةَ فذات العادة الحاصلة باستواء» الدم «مرّتين» أخذاً وانقطاعاً ، سواء كان في وقتٍ واحدٍ بأن رأت في أوّل شهرين سبعةً مثلاً ، أم في وقتين كأن رأت السبعة في أوّل شهرٍ وآخره ، فإنّ السبعة تصير عادةً وقتيّةً وعدديّةً في الأوّل ، وعدديّةً في الثاني ، فإذا تجاوز عشرة «تأخذها» أي العادة فتجعلها حيضاً.
____________________
١) اُنظر الذكرى ١ : ٢٢٩.
٢) في (ش) : التميّز.
٩٥
والفرق بين العادتين الاتّفاق على تحيُّض الاُولى برؤية الدم ، والخلاف في الثانية ، فقيل : إنّها فيه كالمضطربة لا تتحيّض إلّابعد ثلاثة (١) والأقوى أنّها كالاُولى.
ولو اعتادت وقتاً خاصّةً ـ بأن رأت في أوّل شهرٍ سبعةً وفي أوّل آخر ثمانيةً ـ فهي مضطربة العدد لا ترجع إليه عند التجاوز ، وإن أفاد الوقت تحيّضها برؤيته فيه بعد ذلك كالاُولى إن لم نُجز ذلك للمضطربة.
«وذات التمييز» وهي التي ترى الدم نوعين أو أنواعاً «تأخذه» بأن تجعل القويّ حيضاً والضعيف استحاضة «بشرط عدم تجاوز حدّيه» قلّةً وكثرةً ، وعدم قصور الضعيف وما يُضاف إليه من أيّام النقاء عن أقلّ الطهر.
وتعتبر القوّة بثلاثة : اللونِ ، فالأسود قويّ الأحمر ، وهو قويّ الأشقَر ، وهو قوي الأصفر ، وهو قويّ الأكدر. والرائحةِ ، فذو الرائحة الكريهة قويّ ما لا رائحة له ، وما له رائحةٌ أضعف. والقوامِ ، فالثخين قويّ الرقيق ، وذو الثلاث قويّ ذي الاثنين ، وهو قويّ ذي الواحد ، وهو قويّ العادم.
ولو استوى العدد وإن كان مختلفاً فلا تمييز.
وحكم الرجوع إلى التمييز ثابتٌ «في المبتدأة» بكسر الدال وفتحها ، وهي من لم يستقرّ لها عادةٌ؛ إمّا لابتدائها أو بعده مع اختلافه عدداً ووقتاً «والمضطرِبة» وهي من نسيت عادتها وقتاً ، أو عدداً ، أو معاً.
وربّما اُطلقت على ذلك وعلى من تكرّر لها الدم مع عدم استقرار العادة (٢)
____________________
١) قال الفاضل الإصفهاني : وهذا القول لعلم الهدى وأبي الصلاح وابني الجنيد وإدريس والفاضلين في المعتبر والتذكرة ، وجعله في القواعد أحوط. المناهج السويّة : ٢١٨.
٢) نسب في جامع المقاصد هذا الإطلاق إلى المحقّق في المعتبر ، اُنظر المعتبر ١ : ٢٠٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٢٩٥.
٩٦
وتختصّ المبتدأة على هذا بمن رأته أول مرّة ، والأوّل أشهر.
وتظهر فائدة الاختلاف في رجوع ذات القسم الثاني من المبتدأة إلى عادة أهلها وعدمه.
«ومع فقده» أي فقد التمييز بأن اتّحد الدم المتجاوز لوناً وصفةً ، أو اختلف ولم تحصل شروطه «تأخذ المبتدأة عادةَ أهلها» وأقاربها من الطرفين أو أحدهما ، كالاُخت والعمّة والخالة وبناتهنّ.
«فإن اختلفن» في العادة وإن غلب بعضهنّ «فأقرانها» وهنّ من قاربها (١) في السنّ عادةً. واعتبر المصنّف في كتبه الثلاثة (٢) فيهنّ وفي الأهل اتّحاد البلد؛ لاختلاف الأمزجة باختلافه. واعتبر في الذكرى أيضاً الرجوع إلى الأكثر عند الاختلاف (٣) وهو أجود. وإنّما اعتبر في الأقران الفقدان دون الأهل؛ لإمكانه فيهنّ دونهنّ؛ إذ لا أقلّ من الاُمّ. لكن قد يتّفق الفقدان بموتهنّ وعدم العلم بعادتهنّ ، فلذا عبّر في غيره (٤) ب‍ «الفقدان» و «الاختلاف» فيهما.
«فإن فُقدن» الأقران «أو اختلفن فكالمضطربة في» الرجوع إلى الروايات ، وهي «أخذ عشرة» أيّام «من كلّ شهرٍ وثلاثة من آخر (٥)» مخيّرةً في الابتداء بما شاءت منهما «أو سبعة سبعة» من كلّ شهر أو ستّة ستّة
____________________
١) في (ر) : قارنها.
٢) الذكرى ١ : ٢٤٧ ، والبيان : ٥٨ ، والدروس ١ : ٩٨.
٣) الذكرى ١ : ٢٤٧.
٤) في غير هذا الكتاب.
*) لم يرد «كلّ» في (س).
٥) الوسائل ٢ : ٥٤٧ و ٥٤٩ ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الأحاديث ٢ و ٤ و ٥ و ٦.
٩٧
مخيّرةً في ذلك (١) وإن كان الأفضل لها اختيار ما يوافق مزاجها منها ، فتأخذ ذات المزاج الحارّ السبعة ، والبارد الستّة ، والمتوسّط الثلاثة والعشرة ، وتتخيّر في وضع ما اختارته حيث شاءت من أيّام الدم ، وإن كان الأولى الأوّل. ولا اعتراض للزوج في ذلك. هذا في الشهر الأوّل ، أمّا ما بعده فتأخذ ما يوافقه وقتاً.
وهذا إذا نسيت المضطربة الوقت والعدد معاً. أمّا لو نسيت أحدهما خاصّةً ، فإن كان الوقت أخذت العدد كالروايات ، أو العدد جعلت ما تيقّن من الوقت حيضاً أوّلاً أو آخراً أو ما بينهما ، وأكملته بإحدى الروايات على وجهٍ يطابق. فإن ذكرت أوّله أكملته ثلاثة متيقّنةً وأكملته بعددٍ مرويّ. أو آخره تحيّضت بيومين قبله متيقّنة وقبلهما تمام الرواية. أو وسطه المحفوف بمتساويين وأ نّه يومٌ حفّته بيومين واختارت رواية السبعة لتطابق الوسط ، أو يومان حفّتهما بمثلهما فتيقّنت أربعة واختارت رواية الستّة فتجعل قبل المتيقّن يوماً وبعده يوماً. أو الوسطَ بمعنى الأثناء مطلقاً حفّته بيومين متيقّنة وأكملته بإحدى (٢) الروايات متقدّمةً أو متأخّرةً أو بالتفريق. ولا فرق هنا بين تيقّن يومٍ وأزيد (٣) ولو ذكرت عدداً في الجملة فهو المتيقّن خاصّةً وأكملته بإحدى الروايات قبله أو بعده أو بالتفريق. ولا احتياط لها بالجمع بين التكليفات عندنا وإن جاز فعله.
«ويحرم عليها» أي : على الحائض مطلقاً «الصلاةُ» واجبةً ومندوبةً «والصومُ ، وتقضيه» دونها ، والفارق النصّ (٤) لا مشقّتها بتكرّرها ولا غير ذلك.
____________________
١) الوسائل ٢ : ٥٤٧ ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.
٢) في (ع) و (ش) : وأكملت إحدى ، وفي (ف) : وأكملته إحدى.
٣) في (ف) : أو أزيد.
٤) الوسائل ٢ : ٥٨٨ ، الباب ٤١ من أبواب الحيض.
٩٨
«والطوافُ» الواجب والمندوب وإن لم يُشترط فيه الطهارة؛ لتحريم دخول المسجد مطلقاً عليها.
«ومسُّ» كتابة «القرآن» وفي معناه : اسم اللّٰه تعالى وأسماء الأنبياء والأ ئمّة عليهم السلام ، كما تقدّم (١).
«ويكره حمله» ولو بالعِلاقة (٢) «ولمسُ هامشه» وبين سطوره «كالجنب».
«ويحرم» عليها «اللبثُ في المساجد» غير الحرمين ، وفيهما يحرم الدخول مطلقاً كما مرّ (٣) وكذا يحرم عليها وضع شيءٍ فيها كالجنب «وقراءة العزائم» وأبعاضها «وطلاقها» مع حضور الزوج أو حكمه (٤) ودخوله بها وكونها حائلاً ، وإلّا صحّ. وإنّما أطلق لتحريمه في الجملة ، ومحلّ التفصيل باب الطلاق وإن اعتيد هنا إجمالاً.
«ووطؤها قبلاً عالماً عامداً ، فتجب الكفّارة» لو فعل «احتياطاً» لا وجوباً على الأقوى. ولا كفّارة عليها مطلقاً ، والكفّارة «بدينار» أي مثقال ذهبٍ خالصٍ مضروب «في الثُّلث الأوّل ، ثمّ نصفه في الثُّلث الثاني ، ثمّ ربعه في الثُّلث الأخير» ويختلف ذلك باختلاف العادة وما في حكمها من التمييز والروايات ، فالأوّلان أوّلٌ لذات الستّة ، والوسطان وسطٌ ، والأخيران آخر ، وهكذا. ومصرفها مستحقّ الكفارة ، ولا يعتبر فيه التعدّد.
____________________
١) في أحكام الجنب.
٢) العِلاقة ، بالكسر : ما تُعلَّق به القِدْر ونحوها ، ويقال : عِلاقةُ السيف والقوس والسوط.
٣) في أحكام الجنب.
٤) كالغائب الذي يمكنه استعلام حالها.
٩٩
«ويكره» لها «قراءة باقي القرآن» غير العزائم من غير استثناءٍ للسبع. «و» كذا يكره له «الاستمتاع بغير القُبُل» مما بين السُرّة والرُكبة. ويكره لها إعانته عليه إلّاأن يطلبه فتنتفي الكراهة عنها؛ لوجوب الإ جابة. ويظهر من العبارة كراهة الاستمتاع بغير القُبُل مطلقاً ، والمعروف ما ذكرناه.
«ويستحبّ» لها «الجلوس في مصلّاها» إن كان لها محلٌّ معدٌّ لها ، وإلّا فحيث شاءت «بعد الوضوء» المنويّ به التقرّب دون الاستباحة «وتذكر اللّٰهَ تعالى بقدْر الصلاة» لبقاء التمرين على العبادة ، فإنّ الخير عادة (١).
«ويكره لها الخضاب» بالحِنّاء وغيره كالجنب.
«وتترك ذاتُ العادة» المستقرّة وقتاً وعدداً أو وقتاً خاصّةً العبادة * المشروطة بالطهارة «برؤية الدم» أمّا ذات العادة العدديّة خاصّةً فهي كالمضطربة في ذلك كما سلف (٢) «وغيرُها» من المبتدأة والمضطربة «بعد ثلاثة» (٣) احتياطاً. والأقوى جواز تركهما برؤيته أيضاً خصوصاً إذا ظنّتاه حيضاً ، وهو اختياره في الذكرى (٤) واقتصر في الكتابين على الجواز مع ظنّه خاصّة (٥).
____________________
١) كما ورد في الحديث ، اُنظر البحار ٧٧ : ٢١٥.
*) كلمة «العبادة» على ما في هامش (س) من متن اللمعة.
٢) في الصفحة ٩٦.
٣) في (ر) وهامش (س) زيادة : أيّام.
٤) الذكرى ١ : ٢٣٧.
٥) إنّما اقتصر في الكتابين على الجواز مع ظنّ الحيض في المضطربة خاصّة ، اُنظر الدروس ١ : ٩٧ ، والبيان : ٦٤.
١٠٠
«ويكره وطؤها» قُبُلاً «بعد الانقطاع قبل الغُسل على الأظهر» خلافاً للصدوق رحمه الله حيث حرّمه (١) ومستند القولين الأخبار المختلفة ظاهراً (٢) والحمل على الكراهة طريق الجمع. والآية (٣) ظاهرةٌ في التحريم قابلةٌ للتأويل.
«وتقضي كلَّ صلاةٍ تمكّنت من فعلها قبله» بأن مضى من أوّل الوقت مقدارُ فعلها وفعل ما يعتبر فيها ممّا ليس بحاصلٍ لها طاهرةً «أو فعل ركعة مع الطهارة» وغيرها من الشرائط المفقودة «بعده».
«وأمّا الاستحاضة»
«فهي ما» أي الدم الخارج من الرَحِم الذي «زاد على العشرة» مطلقاً «أو العادة مستمرّاً» إلى أن تجاوز العشرة ، فيكون تجاوزها كاشفاً عن كون السابق عليها بعد العادة استحاضةً «أو بعد اليأس» ببلوغ الخمسين أو الستّين على التفصيل (٤) «أو بعد النفاس» كالموجود بعد العشرة أو فيها بعد أيّام العادة مع تجاوز العشرة ، إذا لم يتخلّله نقاءُ أقلّ الطهر أو يصادفْ أيّام العادة في الحيض
____________________
١) الهداية : ٩٩ ، والفقيه ١ : ٩٥ ، ذيل الحديث ١٩٩.
٢) اُنظر الأخبار ـ المجوّزة والمانعة ـ في الوسائل ٢ : ٥٧٢ ، الباب ٢٧ من أبواب الحيض. وراجع روض الجنان ١ : ٢١٧.
٣) وهو قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسٰاءَ فِي اَلْمَحِيضِ وَلاٰ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللّٰهُ ...) سورة البقرة : ٢٢٢.
*) في (س) : و.
٤) المتقدّم في الصفحة ٩٤ ـ ٩٥.
١٠١
بعد مضيّ عشرةٍ فصاعداً من أيّام النفاس أو يحصلْ فيه تمييزٌ (١) بشرائطه.
«ودمُها» أي : دم (٢) الاستحاضة «أصفر بارد رقيق فاتر» أي يخرج بتثاقل وفتور لا بدفع «غالباً» ومقابل الغالب ما تجده في الوقت المذكور فإنّه يحكم بكونه استحاضةً وإن كان بصفة دم الحيض؛ لعدم إمكانه.
ثمّ الاستحاضة تنقسم إلى قليلة وكثيرة ومتوسّطة؛ لأنّها إمّا أن لا تَغمس القطنة أجمع ظاهراً وباطناً ، أو تغمسها كذلك ولا تسيل عنها بنفسه إلى غيرها ، أو تسيل عنها إلى الخرقة.
«فإذا لم يغمس القطنةَ تتوضّأ لكلّ صلاة مع تغييرها *» القطنةَ؛ لعدم العفو عن هذا الدم مطلقاً ، وغَسلِ ما ظهر من الفرج عند الجلوس على القدمين ، وإنّما تركه؛ لأنّه إزالة خبثٍ قد علم ممّا سلف.
«وما يغمسها بغير سيلٍ يزيد» على ما ذكر في الحالة الاُولى «الغُسلَ للصبح» إن كان الغمس قبلها ، ولو كانت صائمةً قدّمته على الفجر واجتزأت به للصلاة. ولو تأخّر الغمس عن الصلاة فكالأوّل.
«وما يسيل» يجب له جميع ما وجب في الحالتين ، وتزيد عنهما (٣) أنّها «تغتسل أيضاً للظهرين» تجمع بينهما به «ثمّ العشاءين **» كذلك «وتغيّر *** الخرقة فيهما» أي في الحالتين ـ الوسطى والأخيرة ـ لأنّ الغمس
____________________
١) في (ش) و (ع) : تميّز.
٢) لم يرد «دم» في (ع).
*) في صريح (س) وظاهر (ق) : تغيّرها.
٣) في (ر) : عليهما.
**) في (ق) ونسخة (ر) من الشرح : للعشاءين.
***) في (س) ونسخة (ش) و (ف) من الشرح : تغيير.
١٠٢
يوجب رطوبةَ ما لاصق الخرقة من القطنة وإن لم يسل إليها فتنجس ، ومع السيلان واضح. وفي حكم تغييرها تطهيرها.
وإنّما يجب الغسل في هذه الأحوال مع وجود الدم الموجب له قبل فعل الصلاة وإن كان في غير وقتها إذا لم تكن قد اغتسلت له بعده ، كما يدلّ عليه خبر الصحّاف (١) وربّما قيل : باعتبار وقت الصلاة (٢) ولا شاهد له (٣).
(وأمّا النِّفاس»
بكسر النون «فدم الولادة معها» بأن يقارن خروج جزءٍ ـ وإن كان منفصلاً ـ ممّا يُعدّ آدميّاً أو مبدأ نشوء آدميٍّ ، وإن كان مُضغةً مع اليقين. أمّا العَلَقَة ـ وهي القطعة من الدم الغليظ ـ فإن فرض العلم بكونها مبدأ نشوء إنسانٍ كان دمها نفاساً ، إلّاأ نّه بعيدٌ «أو بعدها» بأن يخرج الدم بعد خروجه أجمع.
ولو تعدّد الجزء منفصلاً أو الولد فلكلٍّ نفاسٌ وإن اتّصلا. ويتداخل منه ما اتّفقا فيه.
واحترز بالقيدين عمّا يخرج قبل الولادة ، فلا يكون نفاساً بل استحاضة ، إلّا مع إمكان كونه حيضاً.
____________________
١) الوسائل ٢ : ٦٠٦ ، الباب الأوّل من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٧.
٢) كابن فهد في الموجز (الرسائل العشر) : ٤٧ ، والشهيد في الدروس ١ : ٩٩.
٣) نبّه بقوله : «ولا شاهد له» على خلاف المصنّف في الاستدلال بخبر الصحّاف فإنّه استدلّ به في الدروس [١ : ١٠٠] والذكرى [١ : ٢٤٨] على اعتبار أوقات الصلاة ، ونحن اعتبرناه فوجدناه دالّاً على عدم اعتبارها صريحاً فتأمّله. (منه رحمه الله).
١٠٣
«وأقلّه مسمّاه» وهو وجوده في لحظةٍ ، فيجب الغُسل بانقطاعه بعدها. ولو لم ترَ دماً فلا نفاس عندنا.
«وأكثره قدْر العادة في الحيض» للمعتادة على تقدير تجاوزه العشرة ، وإلّا فالجميع نفاس وإن تجاوزها كالحيض «فإن لم تكن» لها عادة «فالعشرة» أكثره على المشهور.
وإنّما يُحكم به نفاساً في أيّام العادة وفي مجموع العشرة مع وجوده فيهما أو في طرفيهما. أمّا لو رأته في أحد الطرفين خاصّة أو فيه وفي الوسط فلا نفاس لها في الخالي عنه متقدّماً ومتأخّراً ، بل في وقت الدم أو الدمين فصاعداً وما بينهما ، فلو رأت أوّله لحظةً وآخر السبعة لمعتادتها فالجميع نفاس ، ولو رأته آخرها خاصّةً فهو النفاس. ومثله رؤية المبتدأة والمضطربة في العشرة ، بل المعتادة على تقدير انقطاعه عليها.
ولو تجاوز فما وُجد منه في العادة وما قبله إلى أوّل زمان الرؤية نفاسٌ خاصّةً ، كما لو رأت رابع الولادة مثلاً وسابعها لمعتادتها واستمرّ إلى أن تجاوز العشرة فنفاسها الأربعة الأخيرة من السبعة خاصّةً ، ولو رأته في السابع خاصّةً فتجاوزها فهو النفاس خاصّةً ، ولو رأته من أوّله والسابع وتجاوز العشرة ـ سواء كان بعد انقطاعه أم لا ـ فالعادة خاصّةً نفاس ، ولو رأته أوّلاً وبعد العادة وتجاوز فالأوّل خاصّةً نفاس ، وعلى هذا القياس.
«وحكمها كالحائض» في الأحكام الواجبة والمندوبة والمحرّمة والمكروهة.
وتفارقها في الأقلّ والأكثر ، والدلالة على البلوغ ، فإنّه مختصّ بالحائض لسبق دلالة النفساء (١) بالحمل ، وانقضاء العدّة بالحيض دون النفاس غالباً ،
____________________
١) في (ش) و (ر) : النفاس.
١٠٤
ورجوع الحائض إلى عادتها وعادة نسائها والروايات والتمييز دونها. ويختصّ النفاس بعدم اشتراط أقلّ الطُهر بين النفاسين ـ كالتوأمين ـ بخلاف الحيضتين.
«ويجب الوضوء مع غُسلهنّ» متقدّماً عليه أو متأخّراً «ويستحبّ قبله» وتتخيّر فيه بين نيّة الاستباحة والرفع مطلقاً ـ على أصحّ القولين (١) ـ إذا وقع بعد الانقطاع.
«وأمّا غُسل المسّ»
للميّت الآدمي النجس «فبعد البرد وقبل التطهير» بتمام الغُسل ، فلا غُسل بمسّه قبل البرد وبعد الموت. وفي وجوب غَسل العضو اللامس قولان (٢) أجودهما ذلك ، خلافاً للمصنّف (٣) وكذا لا غُسل بمسّه بعد الغُسل. وفي وجوبه بمسّ عضوٍ كَمُلَ غسله قولان ، اختار المصنّف عدمه (٤).
وفي حكم الميّت جزؤه المشتمل على عظمٍ ، والمبانُ منه من حيٍّ ، والعظم
____________________
١) ذهب إلى ذلك ابن حمزة في الوسيلة : ٥٦ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٣٧٠ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٢٨. والقول الآخر : أنّه يتعيّن فيه نيّة الاستباحة ، ذهب إليه ابن إدريس في السرائر ١ : ١٥١.
٢) فقيل بوجوب الغَسل مطلقاً ، كالعلّامة في القواعد ١ : ١٩٣ ، والشهيد في البيان : ٨٢ ، والصيمري في كشف الالتباس ١ : ٣١٩. وقيل بعدم وجوب الغَسل إلّامع الرطوبة ، كالشيخ في المبسوط ١ : ٣٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧٤.
٣) في الذكرى ١ : ١٣٣.
٤) اُنظر الذكرى ٢ : ١٠٠ ، والدروس ١ : ١١٧ ، والبيان : ٨٢ ، وفي جامع المقاصد (١ : ٤٦٣) : لا ريب أنّ الوجوب أحوط.
١٠٥
المجرّد عند المصنّف ، استناداً إلى دوران الغسل معه وجوداً وعدماً (١) وهو (٢) ضعيف.
«ويجب فيه» أي في غُسل المسّ «الوضوء» قبله أو بعده ، كغيره من أغسال الحيّ غير الجنابة.
و «في» في قوله : «فيه» للمصاحبة ، كقوله تعالى : (اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ) (٣) و (فَخَرَجَ عَلىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) (٤) إن عاد ضميره إلى «الغُسل» وإن عاد إلى «المس» فسببيّة.
____________________
١) اُنظر الذكرى ٢ : ١٠٠.
٢) ضمير «هو» يجوز عوده إلى القول وإلى الدوران؛ لأنّه دليل ضعيف ، كما حقّق في الاُصول ، ويلزم منه ضعف القول وهو لطيف. (منه رحمه الله).
٣) الأعراف : ٣٨.
٤) القصص : ٧٩.
١٠٦
«القول في أحكام الأموات»
«وهي خمسة» :
«الأوّل : الاحتضار»
وهو السوق ، أعاننا اللّٰه عليه وثبّتنا بالقول الثابت لديه. سُمّي به؛ لحضور الموت أو الملائكة الموكَّلة به أو إخوانه وأهله عنده.
«ويجب» كفايةً «توجيهه» أي المحتضر ـ المدلول عليه بالمصدر ـ «إلى القبلة» في المشهور بأن يُجعل على ظهره ويُجعل باطن قدميه إليها «بحيث لو جلس استقبل» ولا فرق في ذلك بين الصغير والكبير. ولا يختصّ الوجوب بوليّه ، بل بمن علم باحتضاره ، وإن تأكّد فيه وفي الحاضرين.
«ويستحبّ نقله إلى مصلّاه» وهو ما كان أعدّه للصلاة فيه أو عليه ، إن تعسّر عليه الموت واشتدّ به النزع ، كما ورد به النصّ (١) وقيّده به المصنّف في غيره (٢).
____________________
١) الوسائل ٢ : ٦٦٨ ، الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار.
٢) اُنظر البيان : ٦٨ ، والذكرى ١ : ٢٩٦ ، والدروس ١ : ١٠٢.
١٠٧
«وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم السلام» والمراد ب‍ «التلقين» التفهيم ، يقال : «غلامٌ لَقِنٌ» أي : سريع الفهم ، فيعتبر إفهامه ذلك ، وينبغي للمريض متابعته باللسان والقلب ، فإن تعذّر اللسان اقتصر على القلب «وكلمات الفرج» وهي : «لَاإلهَ إلّااللّٰهُ الحَليمُ الكَرِيمُ ـ إلى قوله ـ وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلينَ وَالحَمْدُ للّٰهِ رَبِّ العَالَمِينَ» وينبغي أن يُجعل خاتمة تلقينه «لا إلهَ إلّااللّٰهُ» ، فمن كان آخر كلامه «لا إله إلّااللّٰه» دخل الجنّة (١).
«وقراءة القرآن عنده» قبل خروج روحه وبعده؛ للبركة والاستدفاع ، خصوصاً «يس» و «الصافّات» قبله لتعجيل راحته.
«والمصباحُ إن مات ليلاً» في المشهور ، ولا شاهد له بخصوصه ، وروي ضعيفاً : دوام الإسراج (٢).
«ولتُغمض عيناه» بعد موته معجّلاً لئلّا يقبح منظره «ويُطبَق فُوه» كذلك. وكذا يستحبّ شدّ لَحييه بعِصابةٍ ، لئلّا يسترخي «وتمدّ يداه إلى جنبيه» وساقاه إن كانتا منقبضتين ، ليكون أطوع للغسل وأسهل للدرج في الكفن «ويُغطّى بثوب» للتأسّي (٣) ولما فيه من الستر والصيانة.
____________________
*) في (ق) : بالاثني عشر.
١) كما ورد في الحديث ، اُنظر الوسائل ٢ : ٦٦٤ ، الباب ٣٦ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٦.
٢) الوسائل ٢ : ٦٧٣ ، الباب ٤٥ من أبواب الاحتضار ، الحديث الأوّل. والظاهر أنّ ضعفه ب‍ «سهل بن زياد» الواقع في طريقه. راجع المسالك ٧ : ٤٠٢.
٣) في روض الجنان (١ : ٢٥٧) : لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله سُجّي بحبرة ، وغطّى الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل بملحفة ، راجع الوسائل ٢ : ٦٧٢ ، الباب ٤٤ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢ و ٣.
١٠٨
«ويُعجّل تجهيزه» فإنّه من إكرامه «إلّامع الاشتباه» فلا يجوز التعجيل فضلاً عن رجحانه «فيُصبر عليه ثلاث أيّام» إلّاأن يُعلم قبلها لتغيّرٍ وغيره من أمارات الموت ، كانخساف صُدْغَيْه وميل أنفه وامتداد جلدة وجهه وانخلاع كفّه من ذراعه واسترخاء قدميه وتقلّص اُنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة (١).
«ويكره حضور الجنب والحائض عنده» لتأذّي الملائكة بهما (٢) وغاية الكراهة تحقّق الموت وانصراف الملائكة «وطرح حديدٍ على بطنه» في المشهور ، ولا شاهد له من الأخبار. ولا كراهة في وضع غيره للأصل. وقيل : يكره أيضاً (٣).
«الثاني : الغُسل»
«ويجب ** تغسيل كلّ» ميّتٍ «مسلمٍ أو بحكمه» كالطفل والمجنون المتولّدين من مسلم ، ولقيطِ دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلمٌ يمكن تولّده منه ، والمسبيِّ بيد المسلم على القول بتبعيّته في الإسلام ـ كما هو مختار المصنّف (٤) ـ وإن كان المسبيّ ولد زنا. وفي المتخلّق من ماء الزاني المسلم نظرٌ :
____________________
١) في (ر) زيادة : ونحو ذلك.
*) في (ق) : أو.
٢) كما ورد في الروايات ، راجع الوسائل ٢ : ٦٧١ ، الباب ٤٣ من أبواب الاحتضار.
٣) القائل هو العلّامة في نهاية الإحكام ٢ : ٢١٦.
**) في (س) : فيجب.
٤) اُنظر الدروس ٢ : ٣٩.
١٠٩
من انتفاء التبعيّة شرعاً ، ومن تولّده منه حقيقةً وكونه ولداً لغةً فيتبعه في الإسلام ، كما يحرم نكاحه.
ويستثنى من المسلم من حكم بكفره من الفرق كالخارجيّ والناصب والمجسِّم ، وإنّما ترك استثناءه؛ لخروجه عن الإسلام حقيقةً وإن اُطلق عليه ظاهراً.
ويدخل في حكم المسلم الطفل «ولو سقطاً إذا كان له أربعة أشهر». ولو كان دونها لُفّ في خرقةٍ ودُفن بغير غُسل.
«بالسِّدر» ـ أي بماءٍ مصاحبٍ لشيءٍ من السدر ، وأقلّه ما يطلق عليه اسمه ، وأكثره أن لا يخرج به الماء عن الإطلاق ـ في الغَسلة الاُولى «ثمّ» بماءٍ مصاحبٍ لشيءٍ من «الكافور» كذلك «ثّم» يُغسل ثالثاً بالماء «القَراح» وهو : المطلق الخالص (١) من الخليط ، بمعنى كونه غير معتبرٍ فيه ، لا أنّ سلبه عنه معتبرٌ ، وإنّما المعتبر كونه ماءً مطلقاً.
وكلّ واحدٍ من هذه الأغسال «كالجنابة» يُبدأ بغَسل رأسه ورقبته أوّلاً ، ثمّ بميامنه ، ثمّ مياسره ، أو يغمسه في الماء دفعةً واحدةً عرفيّة ، مقترناً في أوّله «بالنيّة» وظاهر العبارة ـ وهو الذي صرّح به في غيره (٢) ـ الاكتفاء بنيّةٍ واحدة للأغسال الثلاثة ، والأجود التعدّد بتعدّدها.
ثمّ إن اتّحد الغاسل تولّى هو النيّة ، ولا تُجزي من غيره. وإن تعدّد واشتركوا في الصبّ نووا جميعاً. ولو كان البعضُ يَصُبّ والآخر يُقلِّب نوى الصابّ؛
____________________
١) في (ف) : الخالي.
٢) وهو الألفيّة : ٤٩.
١١٠
لأ نّه الغاسل حقيقةً ، واستحبّت من الآخر. واكتفى المصنّف في الذكرى بها منه أيضاً (١) ولو ترتّبوا ـ بأن غسل كلّ واحدٍ منهم بعضاً ـ اعتبرت من كلّ واحدٍ عند ابتداء فعله.
«والأولى بميراثه أولى بأحكامه» بمعنى أنّ الوارث أولى ممّن ليس بوارثٍ وإن كان قريباً. ثمّ إن اتّحد الوارث اختصّ ، وإن تعدّد فالذكر أولى من الاُنثى ، والمكلّف من غيره ، والأب من الولد والجد.
«والزوج أولى» بزوجته «مطلقاً» في جميع أحكام الميّت ، ولا فرق بين الدائم والمنقطع.
«ويجب المساواةُ» بين الغاسل والميّت «في الرجوليّة والاُنوثيّة» فإذا كان الوليّ مخالفاً للميّت أذن للمماثل لا أنّ ولايته تسقط؛ إذ لا منافاة بين الأولويّة وعدم المباشرة. وقيّد ب‍ «الرجوليّة» لئلّا يخرج تغسيل كلٍّ من الرجل والمرأة ابن ثلاث سنين وبنته ، لانتفاء وصف الرجوليّة في المغَسَّل الصغير ، ومع ذلك لا يخلو من القصور (٢) كما لا يخفى.
وإنّما يعتبر المماثلة «في غير الزوجين» فيجوز لكلٍّ منهما تغسيل صاحبه اختياراً ، فالزوج بالولاية ، والزوجة معها أو بإذن الوليّ. والمشهور أنّه من وراء الثياب وإن جاز النظر. ويغتفر العصر هنا في الثوب كما يغتفر في الخرقة الساترة للعورة مطلقاً ، إجراءً لهما مجرى ما لا يمكن عصره.
ولا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة ، والمدخول بها وغيرها. والمطلّقة رجعيّةً زوجةٌ بخلاف البائن. ولا يقدح انقضاء العدّة (٣) في جواز التغسيل عندنا ،
____________________
١) الذكرى ١ : ٣٤٣.
٢) في (ش) : قصور.
٣) يعني عدّة الوفاة.
١١١
بل لو تزوّجت جاز لها تغسيله وإن بَعُد الفرض.
وكذا يجوز للرجل تغسيل مملوكته غير المزوّجة وإن كانت اُمّ ولد ، دون المكاتبة وإن كانت مشروطةً. دون العكس؛ لزوال ملكه عنها. نعم ، لو كانت اُمّ ولدٍ غير منكوحةٍ لغيره عند الموت جاز.
«ومع التعذّر» للمساوي في الذكورة والاُنوثة «فالمَحرَم» ـ وهو : من يحرم نكاحُه مؤبّداً بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة ـ يُغَسِّل مَحرمَه الذي يزيد سنّه عن ثلاث سنين «من وراء الثياب».
«فإن تعذّر» المحرَم والمماثل «فالكافر» يُغسِّل المسلم «والكافرة» تغسِّل المسلمة «بتعليم المسلم» على المشهور. والمراد هنا صورة الغُسل ، ولا يعتبر فيه النيّة ، ويمكن اعتبار نيّة الكافر كما يعتبر نيّته في العتق. ونفاه المحقّق في المعتبر؛ لضعف المستند (١) وكونه ليس بغسلٍ حقيقي لعدم النيّة (٢) وعذره واضح.
«ويجوز تغسيل الرجل ابنة ثلاث سنين مجرّدةً. وكذا المرأة» يجوز لها تغسيل ابن ثلاث سنين مجرّداً وإن وجد المماثل. ومنتهى تحديد السنّ الموتُ ، فلا اعتبار بما بعده وإن طال. وبهذا يمكن وقوع الغُسل لولد الثلاث تامّةً من غير زيادة ، فلا يَرد ما قيل : إنّه يعتبر نقصانها ليقع الغُسل قبل تمامها (٣).
«والشهيد» وهو المسلم ـ ومن بحكمه ـ الميّتُ في معركة قتالٍ أمر به
____________________
١) راجع الوسائل ٢ : ٧٠٤ ، الباب ١٩ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١ و ٢.
٢) المعتبر ١ : ٣٢٦ ، قال في ضعف المستند ـ بعد أن نقل الحديثين ـ : السند في الأوّل كلّه فطحيّة ، والثاني رجاله زيديّة ، وحديثهم مطرَّح بين الأصحاب.
٣) قاله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٦٤.
١١٢
النبيّ صلى الله عليه وآله أو الإمامُ أو نائبهما الخاصّ وهو في حزبهما بسببه (١) أو قُتل في جهادٍ مأمورٍ به حال الغَيبة ، كما لو دَهَم على المسلمين من يُخاف منه على بيضة الإسلام فاضطرّوا إلى جهادهم بدون الإمام أو نائبه ، على خلافٍ في هذا القسم (٢) سُمّي بذلك؛ لأنّه مشهودٌ له بالمغفرة والجنّة «لا يُغَسَّل ولا يُكفَّن بل يُصلّى عليه» ويدفن بثيابه ودمائه ، ويُنزع عنه الفَرو والجلود كالخفّين وإن أصابهما الدم.
ومن خرج عمّا ذكرناه يجب تغسيله وتكفينه وإن اُطلق عليه اسم «الشهيد» في بعض الأخبار ، كالمطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليه والنفساء والمقتول دون ماله وأهله من قطّاع الطريق وغيرهم (٣).
«وتجب إزالة النجاسة» العَرَضيّة «عن بدنه أوّلاً» قبل الشروع في غُسله.
«ويستحبّ فتق قميصه» من الوارث أو من يأذن له «ونزعه من تحته» لأنّه مظنّة النجاسة ، ويجوز غُسله فيه بل هو أفضل عند الأكثر ، ويَطهر بطُهره من غير عصر. وعلى تقدير نزعه تُستر عورته وجوباً به أو بخرقة ، وهو أمكن للغسل ، إلّاأن يكون الغاسل غير مبصرٍ أو واثقاً من نفسه بكفّ البصر فيستحبّ استظهاراً.
____________________
١) يعني بسبب القتال.
٢) أشار بذلك إلى ما ذكره الشيخان من اعتبار القتل بين يدي النبيّ والإمام عليهم السلام وما أفاده المحقّق في المعتبر : من أنّ هذا الشرط زيادة لم تُعلم من النصّ ، راجع روض الجنان ١ : ٢٩٩.
٣) اُنظر البحار ٨١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، الحديث ٣٠ ، والوسائل ١١ : ٩٢ ، الباب ٤٦ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٥ و ٩.
١١٣
«وتغسيله على ساجةٍ» وهي : لوحٌ من خشبٍ مخصوص ، والمراد وضعه عليها أو على غيرها ممّا يؤدّي فائدتها حفظاً لجسده من التلطّخ. وليكن على مرتفعٍ ومكان الرِجلين منحدراً «مستقبلَ القبلة». وفي الدروس : يجب الاستقبال به (١) ومال إليه في الذكرى (٢) واستقرب عدمه في البيان (٣) [وهو قويّ] (٤).
«وتثليث الغسلات» بأن يغسل كلّ عضوٍ من الأعضاء الثلاثة ثلاثاً ثلاثاً في كلّ غَسلة «وغسل يديه» أي يدي الميّت إلى نصف الذراع ثلاثاً «مع كلّ غسلة» وكذا يستحبّ غسل الغاسل يديه مع كلّ غَسلةٍ إلى المرفقين «ومسحُ بطنه في» الغسلتين «الأوّلتين» قبلهما تحفّظاً من خروج شيءٍ بعد الغُسل لعدم القوّة الماسكة ، إلّاالحامل التي مات ولدها فإنّها لا تمسح حذراً من الإ جهاض «وتنشيفه» بعد الفراغ من الغُسل «بثوبٍ» صوناً للكفن من البلل «وإرسال الماء في غير الكنيف» المعدّ للنجاسة ، والأفضل أن يُجعل في حفيرةٍ خاصّةٍ به «وترك ركوبه» بأن يجعله الغاسل بين رجليه «وإقعاده وقَلْمِ ظفره (٥) وترجيل شعره» وهو تسريحه ، ولو فعل ذلك دُفن ما ينفصل من شعره وظفره معه وجوباً.
____________________
١) الدروس ١ : ١٠٥.
٢) الذكرى ١ : ٣٤٠.
٣) البيان : ٧٠.
٤) أثبتناه من (ر) ومصحّحة (ع).
٥) في (ق) : أظفاره.
١١٤
«الثالث : الكفن»
«والواجب» منه ثلاثة أثواب : «مِئزَر» بكسر الميم ثمّ الهمزة الساكنة ، يَستر ما بين السرّة والركبة ، ويستحبّ أن يستر ما بين صدره وقدمه «وقميص» يصل إلى نصف الساق ، وإلى القدم أفضل ، ويجزئ مكانه ثوبٌ ساتر لجميع البدن على الأقوى «وإزار» بكسر الهمزة ، وهو : ثوبٌ شاملٌ لجميع البدن.
ويستحبّ زيادته (١) على ذلك طولاً بما يمكن شدّه من قِبَل رأسه ورجليه ، وعرضاً بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخر. ويراعى في جنسها القصد بحسب حال الميّت. ولا يجب الاقتصار على الأدون ، وإن ماكس الوارث أو كان غير مكلَّف.
ويعتبر في كلّ واحدٍ منها أن يستر البدن بحيث لا يحكي ما تحته ، وكونه من جنس ما يصلّي فيه الرجل. وأفضله القطن الأبيض.
وفي الجلد وجهٌ بالمنع ، مال إليه المصنّف في البيان (٢) وقطع به في الذكرى؛ لعدم فهمه من إطلاق الثوب ، ولنزعه عن الشهيد (٣) وفي الدروس اكتفى بجواز الصلاة فيه للرجل (٤) كما ذكرناه.
____________________
١) في (ع) : زيادةً.
٢) البيان : ٧٢.
٣) الذكرى ١ : ٣٥٥.
٤) الدروس ١ : ١٠٧.
١١٥
هذا كلّه «مع القدرة» أمّا مع العجز فيجزئ من العدد ما أمكن ولو ثوباً واحداً. وفي الجنس يُجزئ كلّ مباح ، لكن يقدّم الجلد على الحرير ، وهو على غير المأكول : من وَبَرٍ وشعرٍ وجلد. ثمّ النجس ، ويحتمل تقديمه (١) على الحرير وما بعده ، وعلى غير المأكول خاصّةً ، والمنع من غير جلد المأكول مطلقاً.
«ويستحبّ» أن يزاد للميّت «الحِبَرة» بكسر الحاء وفتح الباء الموحّدة ، وهو ثوبٌ يمنيٌّ ، وكونها عبْريّةً ـ بكسر العين نسبة إلى بلد باليمن ـ حمراء. ولو تعذّرت الأوصاف أو بعضها سقطت واقتصر على الباقي ولو لفافة بدلها.
«والعِمامة» للرجل ، وقدْرها ما يؤدّي هيئتها المطلوبة شرعاً ، بأن تشتمل على حَنَكٍ وذؤابتين من الجانبين تُلقيان على صدره على خلاف الجانب الذي خرجتا منه. هذا بحسب الطول ، وأمّا العرض فيعتبر فيه إطلاق اسمها.
«والخامسة» وهي خرقةٌ طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض نصف ذراعٍ إلى ذراع ، يُثفِر (٢) بها الميّتَ ذكراً أو اُنثى ، ويَلفّ بالباقي حَقويه وفخذيه (٣) إلى حيث ينتهي ، ثمّ يدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي إليه. سُمّيت «خامسة» نظراً إلى أنّها منتهى عدد الكفن الواجب ـ وهو الثلاث ـ والندب وهو الحبرة والخامسة. وأمّا العمامة فلا تُعدّ من أجزاء الكفن اصطلاحاً وان استحبّت.
«وللمرأة القناع» يُستر به رأسها بدلاً «عن العمامة و» يزاد عنه لها
____________________
١) في (ع) : تقدّمه.
٢) قال في الصحاح (٢ : ٦٠٥ ـ ثفر) : «استثفر الرجل بثوبه ، إذا لوّى بطرفه بين رجليه إلى حُجزته» وقال في القاموس (١ : ٣٨٣) : «الاستثفار أن يُدخل إزاره بين فخذيه ملوّياً».
٣) كذا ، ولعلّ الأنسب : حقواه وفخذاه ، وقراءة «يثفر» و «يلفّ» بصيغة المجهول.
١١٦
«النَّمَط» وهو ثوبٌ من صوفٍ فيه خُططٌ تخالف لونه شاملٌ لجميع البدن فوق الجميع. وكذا تزاد عنه خرقةٌ اُخرى يُلفّ بها ثدياها وتُشدّ إلى ظهرها على المشهور ، ولم يذكرها المصنّف هنا ولا في البيان (١) ولعلّه لضعف المستند ، فإنّه خبرٌ مرسلٌ مقطوع ، وراويه سهل بن زياد (٢).
«ويجب إمساس مساجده السبعة بالكافور» وأقلّه مسمّاه على مسمّاها.
«ويستحبّ كونه ثلاثة عشر درهماً وثُلثاً» ودونه في الفضل أربعة دراهم ، ودونه مثقال وثُلث ، ودونه مثقال «ووضع الفاضل» منه عن المساجد «على صدره» لأنّه مسجد في بعض الأحوال.
«وكتابة اسمه وأ نّه يشهد الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام» بالتربة الحسينيّة ، ثمّ بالتراب الأبيض «على العمامة والقميص والإزار والحبرة * والجريدتين» المعمولتين «من سَعَف النخل» أو من السِّدْر أو من الخلاف أو من الرُّمّان «أو» من «شجرٍ رطبٍ» مرتّباً في الفضل كما ذكر ، يُجعل إحداهما من جانبه الأيمن والاُخرى من الأيسر «فاليمنى عند التَّرقوة **» واحدة التّراقي ، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر «بين القميص وبشرته ، والاُخرى بين القميص والإزار من جانبه الأيسر» فوق الترقوة ، ولتكونا خضراويّتين ليستدفع عنه بهما العذاب ما دامتا كذلك. والمشهورُ أنّ قدْر كلّ واحدةٍ طول عظم ذراع الميّت ، ثمّ قدر شبر ، ثمّ أربع أصابع.
____________________
١) نعم ، ذكرها في الذكرى والدروس ، اُنظر الذكرى ١ : ٣٦٣ ، والدروس ١ : ١٠٨.
٢) الوسائل ٢ : ٧٢٩ ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٦.
*) شطب على «والحبرة» في (ق).
**) في (س) : ترقوته.
١١٧
واعلم أنّ الوارد في الخبر من الكتابة ما روي : أنّ الصادق عليه السلام كتب على حاشية كفن ابنه إسماعيل : «إسماعيل يشهد أن لا إله إلّااللّٰه» (١) وزاد الأصحاب الباقي كتابةً ومكتوباً عليه ومكتوباً به؛ للتبرّك ، ولأ نّه خيرٌ محض مع ثبوت أصل الشرعيّة ، ولهذا (٢) اختلفت عباراتهم فيما يُكتب عليه من أقطاع الكفن (٣). وعلى ما ذُكر لا يختصّ الحكم بالمذكور ، بل جميع أقطاع الكفن في ذلك سواء ، بل هي أولى من الجريدتين؛ لدخولها في إطلاق النصّ بخلافهما.
«وليخط» الكفن إن احتاج إلى الخياطة «بخيوطه» مستحبّاً «ولاتبلّ بالريق» على المشهور فيهما ، ولم نقف فيهما على أثر.
«وتكره الأكمام المبتدأة» للقميص ، واحترز به عمّا لو كُفّن في قميصه ، فإنّه لا كراهة في كُمّه بل تقطع منه الأزرار «وقطعُ الكفن بالحديد» قال الشيخ : سمعناه مذاكرةً من الشيوخ وعليه كان عملهم (٤) «وجعل الكافور في سمعه وبصره على الأشهر» خلافاً للصدوق ، حيث استحبّه (٥) استناداً إلى روايةٍ
____________________
١) الوسائل ٢ : ٧٥٧ ، الباب ٢٩ من أبواب التكفين ، الحديث ١ و ٢.
٢) في (ع) و (ر) : وبهذا.
٣) قال الفاضل الإصفهاني في الشرح : «فهنا كماترى ، ونحوه في الذكرى والبيان والمبسوط والنهاية والوسيلة ، وزاد في الدروس اللفافة ... وأسقط الصدوق وسلّار والفاضلان في غير التحرير العمامة ، وأسقط في التحرير الجريدتين دون العمامة ، وفي الاقتصاد والمصباح ومختصره والسرائر : أنّه يكتب على الأكفان والجريدتين ... وأسقط المفيد الإزار والعمامة ، وابن زهرة وصاحب الإشارة الحبرة والعمامة» اُنظر المناهج السويّة : ٢٨٢.
٤) التهذيب ١ : ٢٩٤ ، ذيل الحديث ٨٦١.
٥) الفقيه ١ : ١٤٩ ، ذيل الحديث ٤١٦.
١١٨
معارَضةٍ بأصحّ منها وأشهر (١).
«ويستحبّ اغتسال الغاسل قبل تكفينه» غُسل المسّ إن أراد هو التكفين «أو الوضوء» الذي يجامع غُسل المسّ للصلاة ، فينوي فيه الاستباحة أو الرفع أو إيقاع التكفين على الوجه الأكمل ، فإنّه من جملة الغايات المتوقّفة على الطهارة. ولو اضطرّ لخوفٍ على الميّت أو تعذّرت الطهارة غسل يديه من المَنكِبين ثلاثاً ثمّ كفّنه. ولو كفّنه غير الغاسل فالأقرب استحباب كونه متطهّراً؛ لفحوى اغتسال الغاسل أو وضوئه.
«الرابع : الصلاة عليه *»
«وتجب» الصلاة «على» كلّ «من بَلَغ» أي أكمل «ستّاً ممّن له‌حكم الإسلام» من الأقسام المذكورة في غُسله ، عدا الفرق المحكوم بكفرها من المسلمين.
«وواجبها : القيام» مع القدرة ، فلو عجز عنه صلّى بحسب المكنة كاليوميّة. وهل يسقط فرض الكفاية عن القادر بصلاة العاجز؟ نظرٌ : من صدق الصلاة الصحيحة عليه ، ومن نقصها مع القدرة على الكاملة. وتوقّف في الذكرى (٢) لذلك.
____________________
١) اُنظر الروايات الآمرة والناهية في الوسائل ٢ : ٧٤٥ ـ ٧٤٨ ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٤ ، والباب ١٥ من الأبواب ، الحديث ٢ ، والباب ١٦ من الأبواب. ولا يوجد فيها ما يدلّ على استحباب جعل الكافور في بصر الميّت. نعم هو موجود في عبارة الفقيه ١ : ١٤٩ ، الحديث ٤١٦ ، والفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام : ١٨٢.
*) كلمة «عليه» لم ترد في (س).
٢) الذكرى ١ : ٤٢٨.
١١٩
«و» استقبال المصلّي «القبلة ، وجعل رأس الميّت إلى يمين المصلّي» مستلقياً على ظهره بين يديه ، إلّاأن يكون مأموماً فيكفي كونه بين يدي الإمام ومشاهدته له ، وتُغتفر الحيلولة بمأمومٍ مثله ، وعدم (١) تباعده عنه بالمعتدّ به عرفاً. وفي اعتبار ستر عورة المصلّي وطهارته من الخبث في ثوبه وبدنه وجهان.
«والنيّة» المشتملة على قصد الفعل ، وهو الصلاة على الميّت المتّحد أو المتعدّد وإن لم يعرفه ، حتى لو جهل ذكوريّته واُنوثيّته جاز تذكير الضمير وتأنيثه مؤوّلاً ب‍ «الميّت» و «الجنازة» متقرّباً ـ وفي اعتبار نيّة الوجه من وجوبٍ وندبٍ كغيرها من العبادات قولان للمصنّف في الذكرى (٢) ـ مقارنةً للتكبير ، مستدامة الحكم إلى آخرها.
«وتكبيراتٌ خمس» إحداها تكبيرة الإحرام في غير المخالف «يتشهّد الشهادتين عقيب الاُولى ، ويصلّي على النبيّ وآله عقيب الثانية» ويستحبّ أن يضيف إليها الصلاة على باقي الأنبياء عليهم السلام «ويدعو للمؤمنين والمؤمنات» بأيّ دعاء اتّفق ـ وإن كان المنقول أفضل ـ «عقيب الثالثة ، و» يدعو «للميّت» المكلّف المؤمن «عقيب الرابعة ، وفي المستضعفين *» وهو الذي لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه «بدعائه» وهو : «اللّهم اغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم» (٣) «و» يدعو في الصلاة على
____________________
١) يحتمل كونه معطوفاً على «جعل رأس الميّت» ... أو على فاعل «يكفي» راجع المناهج السويّة : ٢٨٥.
٢) فإنّه حكم هنا باشتمال النيّة عليه ، ويظهر منه في بحث نيّة الوضوء الميل إلى عدم اعتباره ، اُنظر الذكرى ١ : ٤٢٧ و ٢ : ١٠٨.
*) كذا في نسختي المتن ، ولكن في نسخ الشرح : المستضعف.
٣) الوسائل ٢ : ٧٦٨ ، الباب ٣ من أبواب صلاة الجنازة ، الحديث الأوّل.
١٢٠
«الطفل» المتولّد من مؤمنَين «لأبويه» أو من مؤمنٍ له. ولو كانا غير مؤمنَين دعا عقيبها بما أحبّ ، والظاهر حينئذٍ عدم وجوبه أصلاً. والمراد بالطفل غير البالغ وإن وجبت الصلاة عليه.
«والمنافق» وهو هنا المخالف مطلقاً (١) «يقتصر» في الصلاة عليه «على أربع» تكبيرات «و* يلعنه» عقيب الرابعة. وفي وجوبه وجهان ، وظاهره هنا وفي البيان الوجوب (٢) ورجّح في الذكرى والدروس عدمه (٣).
والأركان من هذه الواجبات سبعة أو ستّة : النيّة ، والقيام للقادر ، والتكبيرات.
«ولا يشترط فيها الطهارة» من الحدث إجماعاً «ولا التسليم» عندنا إ جماعاً ، بل لا يُشرَع بخصوصه إلّامع التقيّة ، فيجب لو توقّفت عليه.
«ويستحبّ إعلام المؤمنين به» أي بموته ليتوفّروا على تشييعه وتجهيزه ، فيُكتب لهم الأجر وله المغفرة بدعائهم ، وليُجمع فيه بين وظيفتي التعجيل والإعلام ، فيُعلم منهم مَن لا ينافي التعجيل عرفاً ، ولو استلزم المُثلة (٤) حرم.
«ومشيُ المشيِّع خلفه أو إلى جانبيه» ويكره أن يتقدّمه لغير تقيّة «والتربيعُ» وهو حمله بأربعة رجالٍ من جوانب السرير الأربعة كيف اتّفق ، والأفضل التناوب ، وأفضله : أن يبدأ في الحمل بجانب السرير الأيمن ـ وهو الذي يلي يسار الميّت ـ فيحمله بكتفه الأيمن ، ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيمن فيحمله
____________________
١) لم يرد «مطلقاً» في (ش) و (ف).
*) في (س) : أو.
٢) البيان : ٧٦.
٣) الذكرى ١ : ٤٣٩ ، الدروس ١ : ١١٣.
٤) المراد من المُثلة هنا تعفّن الجسد وتقطّعه.
١٢١
بالأيمن كذلك ، ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر ، ثمّ ينتقل إلى مقدّمه الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر كذلك.
«والدعاء» حال الحمل بقوله : «بسم اللّٰه ، اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات» (١) وعند مشاهدته بقوله : «اللّٰه أكبر ، هذا ما وعدنا اللّٰه (٢) ورسوله وصدق اللّٰه ورسوله ، اللّهم زدنا إيماناً وتسليماً ، الحمد للّٰه‌الذي تعزّز بالقدرة ، وقهر العباد بالموت (٣) الحمد للّٰه‌الذي لم يجعلني من السواد المخترم» (٤) وهو الهالك من الناس على غير بصيرة أو مطلقاً ، إشارة إلى الرضا بالواقع كيف كان والتفويض إلى اللّٰه تعالى بحسب الإمكان.
«والطهارة ولو تيمّماً * مع» القدرة على المائيّة مع «خوف الفوت» وكذا بدونه على المشهور.
«والوقوف» أي وقوف الإمام أو المصلّي وحده «عند وسط الرجل وصدر المرأة على الأشهر» ومقابل المشهور قول الشيخ في الخلاف : إنّه يقف عند رأس الرجل وصدر المرأة (٥) وقوله في الاستبصار : إنّه عند رأسها وصدره (٦) والخنثى هنا كالمرأة.
«والصلاة في» المواضع «المعتادة» لها للتبرّك بها بكثرة من صلّى
____________________
١) الوسائل ٢ : ٨٣١ ، الباب ٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٤ مع اختلاف يسير.
٢) في (ع) و (ف) : وعد اللّٰه.
٣) و (٤) الوسائل ٢ : ٨٣٠ ـ ٨٣١ ، الباب ٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٢ و ٣.
*) في (ق) : متيمّماً.
٥) الخلاف ١ : ٧٣١ ، المسألة ٥٦٢.
٦) الاستبصار ١ : ٤٧١ ، الحديث ١٨١٧.
١٢٢
فيها ، ولأنّ السامع بموته يقصدها.
«ورفع اليدين في التكبير كُلِّه على الأقوى» والأكثر على اختصاصه بالاُولى ، وكلاهما مرويٌّ (١) ولا منافاة فإنّ المندوب قد يترك أحياناً ، وبذلك يظهر وجه القوّة.
«ومن فاته بعض التكبيرات» مع الإمام «أتمّ الباقي» بعد فراغه «وَلاءً» من غير دعاء «ولو على القبر» على تقدير رفعها ووضعها فيه ، وإن بَعُد الفرض.
وقد أطلق المصنّف وجماعة جواز الوَلاء حينئذٍ (٢) عملاً بإطلاق النصّ (٣) وفي الذكرى : لو دعا كان جائزاً إذ هو نفي وجوب لا نفي جواز (٤) وقيّده بعضهم بخوف الفوت على تقدير الدعاء وإلّا وجب ما أمكن منه (٥) وهو أجود.
«ويُصلّي على من لم يُصلّ عليه يوماً وليلة» على أشهر القولين «أو دائماً» على القول الآخر (٦) وهو الأقوى.
____________________
١) راجع الوسائل ٢ : ٧٨٥ ، الباب ١٠ من أبواب صلاة الجنازة.
٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٨٥ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٣٥٧ ، والعلّامة في بعض كتبه كالإرشاد ١ : ٢٦٣ ، والتحرير ١ : ١٣٠.
٣) قال في روض الجنان (٢ : ٨٣٣) : لقول الصادق عليه السلام : «فليقض ما بقي متتابعاً» راجع الوسائل ٢ : ٧٩٢ ، الباب ١٧ من أبواب صلاة الجنازة ، الحديث الأوّل.
٤) الذكرى ١ : ٤٦٢.
٥) كالعلّامة في بعض كتبه مثل التذكرة ٢ : ٨٥ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٧٠ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٣٢.
٦) وهو قول ابني بابويه وأبي عقيل على ما حكاه عنهما في المختلف ، واختاره في المختلف أيضاً فيما إذا لم يصلّ على الميّت أصلاً ، اُنظر المختلف ٢ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.
١٢٣
والأولى قراءة «يُصلّي» في الفعلين مبنيّاً للمعلوم ، أي يُصلّي مَن أراد الصلاة على الميّت إذا لم يكن هذا المريد قد صلّى عليه ولو بعد الدفن المدة المذكورة أو دائماً ، سواء كان قد صُلّي على الميّت أم لا. هذا هو الذي اختاره المصنّف في المسألة (١).
ويمكن قراءته مبنيّاً للمجهول ، فيكون الحكم مختصّاً بميّتٍ لم يُصلَّ عليه ، أمّا من صُلّي عليه فلا تُشرَع الصلاة عليه بعد دفنه. وهو قولٌ لبعض الأصحاب (٢) جمعاً بين الأخبار (٣) ومختار المصنّف أقوى.
«ولو حضرت جنازةٌ في الأثناء» أي في أثناء الصلاة على جنازةٍ اُخرى «أتمّها ثم استأنف» الصلاة «عليها» أي على الثانية ، وهو الأفضل مع عدم الخوف على الثانية. وربّما قيل : بتعيّنه إذا كانت الثانية مندوبةً؛ لاختلاف الوجه (٤). وليس بالوجه.
وذهب العلّامة (٥) وجماعةٌ من المتقدّمين (٦) والمتأخّرين (٧) إلى أنّه يتخيّر بين قطع الصلاة على الاُولى واستئنافها عليهما ، وبين إكمال الاُولى وإفراد الثانية
____________________
١) البيان : ٧٧ ، والذكرى ١ : ٤٠٧ ، والدروس ١ : ١١٢.
٢) وهو العلّامة في المختلف ٢ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.
٣) الأخبار المانعة والمجوّزة ، راجع الوسائل ٢ : ٧٩٤ ، الباب ١٨ من أبواب صلاة الجنازة.
٤) قاله العلّامة في نهاية الإحكام ٢ : ٢٧١ ، والتذكرة ٢ : ٨٦.
٥) في كتبه كالتذكرة ٢ : ٨٦ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٧١ ، والقواعد ١ : ٢٣٢.
٦) كالصدوق في الفقيه ١ : ١٦٤ ، ذيل الحديث ٤٧٠ ، والشيخ في النهاية : ١٤٦ ، والحلّي في السرائر ١ : ٣٦١.
٧) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١٠٧ ، والمعتبر ٢ : ٣٦٠.
١٢٤
بصلاةٍ ثانية ، محتجّين برواية عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام : «في قوم كبّروا على جنازةٍ تكبيرةً أو تكبيرتين ووضعت معها اُخرى ، قال عليه السلام : إن شاؤوا تركوا الاُولى حتّى يفرغوا من التكبيرة الأخيرة ، وإن شاؤوا رفعوا الاُولى وأتمّوا التكبير على الأخيرة ، كلّ ذلك لا بأس به» (١).
قال المصنّف في الذكرى : والرواية قاصرةٌ عن إفادة المدّعى؛ إذ ظاهرها أنّ ما بقي من تكبير الاُولى محسوبٌ للجنازتين ، فإذا فرغوا من تكبير الاُولى تخيّروا بين تركها بحالها حتى يُكملوا التكبير على الأخيرة ، وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة ، وليس في هذا دلالةٌ على إبطال الصلاة على الاُولى بوجه ، هذا مع تحريم قطع الصلاة الواجبة. نعم ، لو خيف على الجنائز قُطعت الصلاة ثمّ استأنف عليها؛ لأنّه قطعٌ لضرورة (٢) وإلى ما ذكره أشار هنا بقوله :
«والحديث» الذي رواه عليّ بن جعفر عليه السلام «يدلّ على احتساب ما بقي من التكبير * لهما ثمّ يأتي بالباقي للثانية ، وقد حقّقناه في الذكرى» بما حكيناه عنها.
ثمّ استشكل بعد ذلك الحديث : بعدم تناول النيّة أوّلاً للثانية فكيف يُصرف باقي التكبيرات إليها ، مع توقّف العمل على النيّة؟ وأجاب : بإمكان حمله على إحداث نيّةٍ من الآن لتشريك باقي التكبير على الجنازتين (٣).
وهذا الجواب لا معْدل عنه ، وإن لم يصرّح بالنيّة في الرواية؛ لأنّها أمرٌ قلبيٌّ
____________________
١) الوسائل ٢ : ٨١١ ، الباب ٣٤ ، من أبواب صلاة الجنازة ، الحديث الأوّل ، مع اختلاف يسير.
٢) و (٣) الذكرى ١ : ٤٦٣.
*) في (ق) : التكبيرات.
١٢٥
يكفي فيها مجرّد القصد إلى الصلاة على الثانية إلى آخر ما يُعتبر فيها. وقد حقّق المصنّف في مواضع : أنّ الصدر الأوّل ما كانوا يتعرّضون للنيّة (١) لذلك ، وإنّما أحدث البحث عنها المتأخّرون ، فيندفع الإشكال.
وقد ظهر من ذلك أن لا دليل على جواز القطع ، وبدونه يتّجه تحريمه.
وما ذكره المصنّف : من جواز القطع على تقدير الخوف على الجنائز ، غير واضح؛ لأنّ الخوف إن كان على الجميع أو على الاُولى فالقطع يزيد الضرر على الاُولى ولا يزيله؛ لانهدام ما قد مضى من صلاتها الموجب لزيادة مكثها ، وإن كان الخوف على الأخيرة فلا بدّ لها من المكث مقدار الصلاة عليها ، وهو يحصل مع التشريك الآن والاستئناف. نعم ، يمكن فرضه نادراً بالخوف على الثانية ، بالنظر إلى تعدّد الدعاء مع اختلافهما فيه ، بحيث يزيد ما يتكرّر منه على ما مضى من الصلاة.
وحيث يختار التشريك بينهما فيما بقي ينوي بقلبه على الثانية ، ويكبّر تكبيراً مشتركاً بينهما ـ كما لو حضرتا ابتداءً ـ ويدعو لكلّ واحدةٍ بوظيفتها من الدعاء مخيّراً في التقديم إلى أن يُكمل الاُولى ، ثمّ يُكمل ما بقي من الثانية.
ومثله ما لو اقتصر على صلاةٍ واحدةٍ على متعدّد ، فإنّه يُشرِّك بينهم فيما يتّحد لفظه ويُراعي في المختلف ـ كالدعاء لو كان فيهم مؤمن ومجهول ومنافق وطفل ـ وظيفة كلّ واحد ، ومع اتّحاد الصنف يُراعي تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه ، أو يذكّر مطلقاً مؤوّلاً ب‍ «الميّت» أو يؤنّث مؤوّلاً ب‍ «الجنازة» والأوّل أولى.
____________________
١) اُنظر الذكرى ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٥.
١٢٦
«الخامس : دفنه»
«والواجب مواراته في الأرض» على وجهٍ يحرس جثّته عن السباع ويُكتم رائحته عن الانتشار. واحترز ب‍ «الأرض» عن وضعه في بناءٍ ونحوه وإن حصل الوصفان «مستقبل القبلة» بوجهه ومقاديم بدنه «على جانبه الأيمن» مع الإمكان.
«ويستحبّ» أن يكون «عمقه *» أي الدفن مجازاً ، أو القبر المعلوم بالمقام «نحو قامةٍ» معتدلةٍ ، وأقلّ الفضل إلى الترقوة.
«ووضع الجنازة» عند قربها من القبر بذراعين أو ثلاثٍ عند رجليه «أوّلاً ونقل الرجُل» بعد ذلك «في ثلاث دفعات» حتى يتأهّب للقبر وإنزاله في الثالثة «والسبقُ برأسه» حالة الإنزال «والمرأة» توضع ممّا يلي القبلة وتُنقل دفعةً واحدةً وتُنزل «عَرْضاً» هذا هو المشهور ، والأخبار خالية عن الدفعات.
«ونزول الأجنبيّ» معه ، لا الرحم وإن كان ولداً «إلّافيها» فإنّ نزول الرحم معها أفضل ، والزوج أولى [بها] (١) منه ، ومع تعذّرهما فامرأةٌ صالحة ثمّ أجنبيٌّ صالح.
«وحَلّ عُقَد الأكفان» من قِبَل رأسه ورجليه «ووضع خدّه» الأيمن «على التراب» خارج الكفن.
____________________
*) في (ق) بدل «عمقه» : حفر.
١) في المخطوطات : به.
١٢٧
«وجعلُ» شيءٍ من «تربة *» الحسين عليه السلام «معه» تحت خدّه أو في مطلق الكفن أو تلقاء وجهه. ولا يقدح في مصاحبته لها احتمالُ وصول نجاسته إليها؛ لأصالة عدمه مع ظهور طهارته الآن.
«وتلقينه» الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد ممّن نزل معه إن كان وليّاً ، وإلّا استأذنه ، مُدنياً فاه إلى اُذنه قائلاً له : «اسمع» ثلاثاً قبله.
«والدعاءُ له» بقوله : «بسم اللّٰه وباللّٰه وعلى ملّة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله ، اللّهمّ عبدك نزل بك ، وأنت خير منزول به ، اللّهمّ افسح له في قبره ، وألحقه بنبيّه ، اللّهمّ إنّا لا نعلم منه إلّاخيراً وأنت أعلم به منّا» (١).
«والخروج من» قِبَل «الرجلين» لأنّه باب القبر ، وفيه احترامٌ للميّت «والإهالة» للتراب من الحاضرين غير الرحم «بظهور الأكُفّ مسترجعين» أي قائلين : «إنّا للّٰه‌وإنّا إليه راجعون» حالة الإهالة ، يقال : رجَّع واسترجع ، إذا قال ذلك (٢).
«ورفع القبر» عن وجه الأرض مقدار «أربع أصابع» مفرّجات إلى شبر لا أزيد ، ليُعرف فيزار ويُحترم ، ولو اختلفت سطوح الأرض اغتفر رفعه عن أعلاها وتأدّت السنّة بأدناها.
«وتسطيحه» لا يُجعل له في ظهره سنم؛ لأنّه من شعار الناصبة وبِدَعهم
____________________
*) في (س) : التربة.
١) راجع الوسائل ٢ : ٨٤٥ ، الباب ٢١ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.
٢) اُنظر القاموس ٣ : ٢٨. وفي لسان العرب (٥ : ١٥٠) : ترجّع واسترجع.
١٢٨
المحدثة مع اعترافهم بأ نّه خلاف السنّة مراغمةً للفرقة المحقّة (١).
«وصبّ الماء عليه من قبل رأسه» إلى رجليه «دوراً» إلى أن ينتهي إليه «و» يُصبّ «الفاضل على وسطه» وليكن الصابّ مستقبلاً.
«ووضع اليد عليه» بعد نضحه بالماء مؤثّرةً في التراب مفرّجة الأصابع. وظاهر الأخبار أنّ الحكم مختصٌ بهذه الحالة ، فلا يستحبّ تأثيرها بعده ، روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا حُثي عليه التراب وسُوّي قبره فضع كفّك على قبره عند رأسه وفرِّج أصابعك واغمز كفّك عليه بعد ما ينضح بالماء» (٢) والأصل عدم الاستحباب في غيره. وأما تأثير اليد في غير التراب فليس بسنّة مطلقاً ، بل اعتقاده سنّةً بدعةٌ.
«مترحِّماً» عليه بما شاء من الألفاظ ، وأفضله «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه وأصعِد إليك روحه ولقِّه منك رضواناً وأسكن قبره من رحمتك ما تُغنيه عن رحمة من سواك» (٣) وكذا يقوله كلّما زاره مستقبلاً.
«وتلقين الوليّ» أو من يأمره «بعد الانصراف» بصوتٍ عالٍ إلّامع التقيّة «ويتخيّر» الملقّن «في الاستقبال والاستدبار» لعدم ورود معيِّن.
«ويستحبّ التعزية» لأهل المصيبة ، وهي «تَفْعِلَة» من «العزاء» وهو الصبر ، ومنه «أحسن اللّٰه عزاءك» أي صبرك وسلوَك ، يُمدّ ويُقصّر. والمراد بها الحمل على الصبر والتسلية عن المصاب بإسناد الأمر إلى حكمة اللّٰه تعالى وعدله وتذكيره بما وعد اللّٰه الصابرين وما فعله الأكابر من المصابين ، فمن عزّى مصاباً
____________________
١) راجع المجموع للنووي ٥ : ٢٦٥.
٢) الوسائل ٢ : ٨٦٠ ، الباب ٣٣ من أبواب الدفن ، الحديث الأوّل.
٣) راجع الوسائل ٢ : ٨٥٥ ، الباب ٢٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.
١٢٩
فله مثل أجره (١) ومن عزّى ثكلى كُسي بُرداً في الجنّة (٢).
وهي مشروعة «قبل الدفن» إجماعاً «وبعده» عندنا.
«وكلّ أحكامه» أي أحكام الميّت «من فروض * الكفاية» إن كانت واجبةً «أو ندبها» إن كانت مندوبةً.
ومعنى الفرض الكفائي : مخاطبة الكلّ به ابتداءً على وجهٍ يقتضي وقوعه من أيّهم كان وسقوطه بقيام من فيه الكفاية ، فمتى تلبّس به من يُمكنه القيام به سقط عن غيره سقوطاً مراعى بإكماله ، ومتى لم يتّفق ذلك أثم الجميع في التأخّر عنه ، سواء في ذلك الوليّ وغيره ممّن علم بموته من المكلّفين القادرين عليه.
____________________
١) كما ورد في الحديث ، راجع المستدرك ٢ : ٣٤٨ ، الباب ٤٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.
٢) كما ورد في الحديث أيضاً ، راجع المستدرك ٢ : ٣٤٩ ، الباب ٤٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٦.
*) في (ق) : فرض.
١٣٠
«الفصل الثالث»
«التيمّم»
«وشرطه عدمُ الماء» بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر.
«أو عدم الوصلة * إليه» مع كونه موجوداً : إمّا للعجزعن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكِبَر أو مرضٍ أو ضعف قوّةٍ ولم يجد معاوناً ولو باُجرةٍ مقدورة ، أو لضيق الوقت بحيث لا يُدرك منه معه بعد الطهارة ركعة ، أو لكونه في بئرٍ بعيد القعر يتعذّر الوصول إليه بدون الآلة وهو عاجز عن تحصيلها ولو بعوضٍ أو شقّ ثوبٍ نفيس أو إعارة ، أو لكونه موجوداً في محلٍّ يُخاف من السعي إليه على نفسٍ أو طَرَفٍ أو مالٍ محترمةٍ أو بُضعٍ أو عرض أو ذهاب عقلٍ ولو بمجرّد الجبن ، أو لوجوده بعوضٍ يعجز عن بذله لعُدمٍ أو حاجةٍ ولو في وقت مترقّب.
ولا فرق في المال المخوف ذهابه والواجب بذله عوضاً ـ حيث يجب حفظ الأوّل وبذل الثاني ـ بين القليل والكثير. والفارق النصّ (١) لا أنّ الحاصل بالأوّل العوض على الغاصب وهو منقطع وفي الثاني الثواب وهو دائم؛ لتحقّق الثواب
____________________
*) في (ق) : الوصول.
١) راجع الوسائل ٢ : ٩٦٤ ، الباب ٢ من أبواب التيمّم ، الحديث ٢. و ٩٩٧ ، الباب ٢٦ من أبواب التيمّم ، الحديث الأوّل.
١٣١
فيهما مع بذلهما اختياراً طلباً للعبادة لو اُبيح ذلك ، بل قد يجتمع في الأوّل العوض والثواب بخلاف الثاني.
«أو الخوف من استعماله» لمرضٍ حاصلٍ ـ يخاف زيادته أو بطؤه أو عُسر علاجه ـ أو متوقّعٍ ، أو بردٍ شديد يشقّ تحمّله ، أو خوف عطشٍ حاصلٍ أو متوقّعٍ في زمانٍ لا يحصل فيه الماء عادةً أو بقرائن الأحوال لنفسٍ محترمةٍ ولو حيواناً.
«ويجب طلبه» مع فقده في كلّ جانبٍ «من الجوانب الأربعة غلوة سهمٍ» ـ بفتح الغين ـ وهي : مقدار رمية من الرامي بالآلة معتدلين «في» الأرض «الحَزْنة» ـ بسكون الزاء المعجمة ـ خلاف السهْلة ، وهي : المشتملة على نحو الأشجار والأحجار والعلوّ والهبوط المانع من رؤية ما خلفه «و» غلوة «سهمين في السَّهْلة» ولو اختلفت في الحزونة والسهولة توُزّع بحسبهما.
وإنّما يجب الطلبُ كذلك مع احتمال وجوده فيها ، فلو علم عدمه مطلقاً أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقاً أو فيه ، كما أنّه لو علم وجوده في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم يخرج الوقت.
وتجوز الاستنابة فيه ، بل قد تجب ولو باُجرةٍ مع القدرة. ويشترط عدالة النائب إن كانت اختياريّة وإلّا فمع إمكانها ، ويُحتسب لهما على التقديرين. ويجب طلب التراب كذلك لو تعذّر مع وجوبه.
«ويجب» التيمّم «بالتراب الطاهر أو الحجر» لأنّه من جملة الأرض (١)
____________________
١) قال المحقّق في المعتبر [١ : ٣٧٦] : الإجماع على أنّ الحجر من جملة الأرض ، وقال المفسّرون [التبيان ٣ : ٢٠٧ ومجمع البيان ٢ : ٥١] : إنّ الصعيد هو وجه الأرض فيدخل الحجر ، وفسّره بعض أهل اللغة [الصحاح ٢ : ٤٩٨ ، (صعد)] بالتراب فلا يدخل ، لكنّ المثبت للزيادة مقدّم. (منه رحمه الله).
١٣٢
إجماعاً. و «الصعيد» المأمور به هو وجهها ، ولأ نّه ترابٌ اكتسب رطوبةً لزجة وعملت فيه الحرارة فأفادته استمساكاً. ولا فرق بين أنواعه : من رُخام وبرام (١) وغيرهما.
خلافاً للشيخ حيث اشترط في جواز استعماله فقدَ التراب (٢) أمّا المنع منه مطلقاً فلا قائل به.
ومن جوازه بالحجر يستفاد جوازه بالخَزَف بطريقٍ أولى؛ لعدم خروجه بالطبخ عن اسم «الأرض» وإن خرج عن اسم «التراب» كما لم يخرج الحجر مع أنّه أقوى استمساكاً منه. خلافاً للمعتبر محتجّاً بخروجه ، مع اعترافه بجواز السجود عليه. وما يخرج عنها بالاستحالة يمنع من السجود عليه وإن كانت دائرة السجود أوسع بالنسبة إلى غيره.
«لا بالمعادن» كالكُحل والزَرْنيخ وتراب الحديد ونحوه «و» لا «النورة» والجصّ بعد خروجهما عن اسم الأرض بالإحراق ، أمّا قبله فلا.
«ويكره» التيمّم «بالسَّبخة» ـ بالتحريك فتحاً وكسراً والسكون ، وهي : الأرض المالحة النشّاشة ـ على أشهر القولين (٣) ، ما لم يَعلُها ملحٌ يمنع إصابة بعض الكفّ للأرض ، فلا بدّ من إزالته «والرمل» لشبههما بأرض المعدن ، ووجه الجواز بقاء اسم الأرض.
«ويستحبّ من العوالي» وهي ما ارتفع من الأرض؛ للنصّ (٤) ولبعدها
____________________
١) الرُخام : حجر أبيض رخو ، بالفارسيّة : «مرمر». والبِرام جمع البُرمة : القِدْر من الحجارة.
٢) في النهاية : ٤٩.
٣) والقول الآخر : المنع ، حكاه في المعتبر والمختلف عن ابن الجنيد ، اُنظر المعتبر ١ : ٣٧٤ ، والمختلف ١ : ٤٢٥ ، وراجع روض الجنان ١ : ٣٢٧.
٤) اُنظر الوسائل ٢ : ٩٦٩ ، الباب ٦ من أبواب التيمم ، الحديث ١ و ٢.
١٣٣
من النجاسة؛ لأنّ المهابط تُقصد للحدث ، ومنه سمّي «الغائط» لأنّ أصله المنخفض ، سُمّي الحالّ باسمه (١) لوقوعه فيه كثيراً.
«والواجب» في التيمّم «النيّة» وهي القصد إلى فعله ـ وسيأتي بقيّة ما يُعتبر فيها ـ مقارنةً لأوّل أفعاله «و» هو «الضرب على الأرض بيديه» معاً ، وهو وضعهما بمسمّى الاعتماد ، فلا يكفي مسمّى الوضع على الظاهر. خلافاً للمصنّف في الذكرى ، فإنّه جعل الظاهر الاكتفاء بالوضع (٢) ومنشأ الاختلاف تعبير النصوص بكلٍّ منهما (٣) وكذا عبارات الأصحاب (٤) فمن جوّزهما جعله دالّاً على أنّ المؤدّى واحد ، ومن عيّن الضرب حمل المطلق على المقيَّد.
وإنّما يعتبر اليدان معاً مع الاختيار ، فلو تعذّرت إحداهما ـ لقطعٍ أو مرضٍ أو ربطٍ ـ اقتصر على الميسور ومسح الجبهة به وسقط مسح اليد.
ويحتمل قوّياً مسحها بالأرض ، كما يمسح الجبهة بها لو كانتا مقطوعتين ، وليس كذلك لو كانتا نجستين ، بل يمسح بهما كذلك مع تعذّر التطهير ، إلّا أن تكون
____________________
١) في (ر) : باسم المحلّ.
٢) الذكرى ٢ : ٢٥٩.
٣) اُنظر الوسائل ٢ : ٩٧٥ ، الباب ١١ من أبواب التيمّم. والباب ١٣ ، الحديث ٣.
٤) فقد جاء في كثير من كتبهم كلمة «الضرب» كالهداية : ٨٧ ، والمقنع : ٢٦ ، والمقنعة : ٦٢ ، وجمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) ٣ : ٢٥ ، والجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٦٩ ، والمهذّب ١ : ٤٧ ، والمراسم : ٥٤ ، والسرائر ١ : ١٣٦ ، والغنية : ٦٣ ، والوسيلة : ٧١ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٠٦. وورد في بعضها «الوضع» كالجامع للشرائع : ٤٦. وفي البعض الآخر ورد كلا التعبيرين ، كالمبسوط ١ : ٣٢ ـ ٣٣ ، والنهاية : ٤٩ ـ ٥٠ ، والشرائع ١ : ٤٨ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، والدروس ١ : ١٣٢ ، والبيان : ٨٦ ـ ٨٧ ، والذكرى ٢ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
١٣٤
متعدّية أو حائلة فيجب التجفيف وإزالة الحائل مع الإمكان ، فإن تعذّر ضرب بالظهر إن خلا منها ، وإلّا ضرب بالجبهة في الأوّل وباليد النجسة في الثاني ، كما لو كان عليها جبيرة.
والضرب «مرّةً للوضوء» أي لتيمّمه الذي هو بدل منه «فيمسح بهما جَبهته من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى» بادئاً بالأعلى ، كما أشعر به «من» و «إلى» وإن احتمل غيره.
وهذا القدر من الجبهة متّفقٌ عليه. وزاد بعضهم مسحَ الحاجبين (١) ونفى عنه المصنّف في الذكرى البأس (٢). وآخرون مسح الجبينين (٣) وهما المحيطان بالجبهة يتّصلان بالصُّدْغَين. وفي الثاني قوّة؛ لوروده في بعض الأخبار الصحيحة (٤) أمّا الأوّل فما يتوقّف عليه منه من باب المقدّمة لا إشكال فيه وإلّا فلا دليل عليه.
«ثمّ» يمسح «ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند» بفتح الزاي ، وهو موصل طرف الذراع في الكفّ «إلى أطراف الأصابع ، ثمّ» مسح ظهر «اليسرى» ببطن اليمنى «كذلك» مبتدئاً بالزند إلى الآخر ، كما أشعر به كلامه. «ومرّتين للغُسل» إحداهما يمسح بها جبهته والاُخرى يديه.
«ويتيمّم * غير الجنب» ممّن عليه حدثٌ يوجب الغُسل عند تعذّر
____________________
١) قال قدس سره في روض الجنان : «وزاد الصدوق مسح الحاجبين أيضاً» روض الجنان ١ : ٣٣٩ ، وانظر الفقيه ١ : ١٠٤ ، ذيل الحديث ٢١٣ ، والهداية : ٨٨ ، وفيهما زيادة «الجبينين» أيضاً.
٢) الذكرى ٢ : ٢٦٣.
٣) وهو المحقّق الثاني ، اُنظر جامع المقاصد ١ : ٤٩٠ ـ ٤٩١.
٤) اُنظر الوسائل ٢ : ٩٧٦ ـ ٩٧٧ ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، الأحاديث ٣ ، ٦ ، ٨ و ٩.
*) في نسختي المتن : تيمّم.
١٣٥
استعمال الماء مطلقاً «مرّتين» إحداهما بدلاً من الغُسل بضربتين ، والاُخرى بدلاً من الوضوء بضربة. ولو قدر على الوضوء خاصّةً وجب وتيمّم عن الغُسل كالعكس ، مع أنّه يصدق عليه أنّه محدثٌ غير جنب ، فلا بدّ في إخراجه من قيد ، وكأ نّه تركه اعتماداً على ظهوره.
«ويجب في النيّة» قصد «البدليّة» من الوضوء أو الغسل إن كان التيمّم بدلاً عن أحدهما كما هو الغالب ، فلو كان تيمّمه لصلاة الجنازة أو للنوم على طهارة أو لخروجه جنباً من أحد المسجدين ـ على القول باختصاص التيمّم بذلك كما هو أحد قولي المصنّف (١) ـ لم يكن بدلاً من أحدهما ، مع احتمال بقاء العموم بجعله فيها بدلاً اختياريّاً.
«و» يجب فيه نيّة «الاستباحة» لمشروطٍ بالطهارة «والوجه» من وجوب أو ندب ، والكلام فيهما كالمائيّة (٢) «والقربة» ولا ريب في اعتبارها في كلّ عبادةٍ مفتقرةٍ إلى نيّة ، ليتحقّق الإخلاص المأمور به في كلّ عبادة.
«وتجب» فيه «الموالاة» بمعنى المتابعة بين أفعاله بحيث لا يُعدّ مُفرِّقاً عرفاً. وظاهر الأصحاب الاتّفاق على وجوبها. وهل يبطل بالإخلال بها أو يأثم خاصّةً؟ وجهان. وعلى القول بمراعاة الضيق فيه مطلقاً (٣) يظهر قوّة الأوّل ، وإلّا فالأصل يقتضي الصحّة.
«ويستحبّ نفض اليدين» بعد كلّ ضربةٍ بنفخ ما عليهما من أثر الصعيد ، أو مسحهما ، أو ضرب إحداهما بالاُخرى.
____________________
١) قاله في الدروس ١ : ٨٦.
٢) راجع الصفحة ٧٦.
٣) مع رجاء زوال العذر وعدمه.
١٣٦
«وليكن» التيمّم «عند آخر الوقت» بحيث يكون قد بقي منه مقدار فعله مع باقي شرائط الصلاة المفقودة والصلاة تامّة الأفعال علماً أو ظنّاً ، ولا يؤثّر فيه ظهور الخلاف «وجوباً مع الطمع في الماء» ورجاء حصوله ولو بالاحتمال البعيد «وإلّا استحباباً» على أشهر الأقوال بين المتأخّرين (١).
والثاني ـ وهو الذي اختاره المصنّف في الذكرى (٢) وادّعى عليه المرتضى (٣) والشيخ الإ جماع (٤) ـ : مراعاة الضيق مطلقاً.
والثالث : جوازه مع السعة مطلقاً ، وهو قول الصدوق (٥).
والأخبار بعضها دالٌّ على اعتبار الضيق مطلقاً (٦) وبعضها غير منافٍ له (٧) فلا وجه للجمع بينها بالتفصيل. هذا في التيمّم المبتدأ.
أمّا المستدام ، كما لو تيمّم لعبادةٍ عند ضيق وقتها ولو بنذر ركعتين في وقتٍ معيّن يتعذّر فيه الماء ، أو عبادةٍ راجحةٍ بالطهارة ولو ذكراً ، جاز فعل
____________________
١) كالمحقّق والعلّامة وولده فخر الدين وابن فهد والصيمري والمحقّق الثاني ، اُنظر المعتبر ١ : ٣٨٤ وقواعد الأحكام ١ : ٢٣٩ ، وإ يضاح الفوائد ١ : ٧٠ ، والموجز (الرسائل العشر) : ٥٧ ، وكشف الالتباس ١ : ٣٧٧ ، وجامع المقاصد ١ : ٥٠١.
٢) الذكرى ٢ : ٢٥٤.
٣) اُنظر الناصريّات : ١٥٧ ، المسألة ٥١ ، والانتصار : ١٢٣.
٤) لم نعثر على ادّعاء الإجماع في كتبه.
٥) اُنظر الهداية : ٨٧ ، وأمالي الصدوق : ٥١٥ ، حيث لم يذكر التأخير فيهما ، ولكن قال قدس سره في المقنع : «اعلم أنّه لا يتيمّم الرجل حتّى يكون في آخر الوقت» المقنع : ٢٥.
٦) اُنظر الوسائل ٢ : ٩٩٣ ـ ٩٩٤ ، الباب ٢٢ من أبواب التيمّم.
٧) مثل خبر زرارة وخبر معاوية بن ميسرة اللذين ذكرهما في روض الجنان ١ : ٣٢٩ ، ونقلهما في الوسائل ٢ : ٩٨٣ ـ ٩٨٤ ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، الحديث ٩ و ١٣.
١٣٧
غيرها به مع السعة.
«ولو تمكّن من» استعمال «الماء انتقض» تيمّمه عن الطهارة التي تمكّن منها ، فلو تمكّن مَن عليه غير غسل الجنابة من الوضوء خاصّةً انتقض تيمّمه خاصّةً ، وكذا الغسل.
والحكم بانتقاضه بمجرّد التمكّن مبنيٌّ على الظاهر ، وأمّا انتقاضه مطلقاً فمشروطٌ بمضيّ زمانٍ يسع فعل المائيّة متمكّناً منها ، فلو طرأ بعد التمكّن مانعٌ قبله كشف عن عدم انتقاضه ـ سواء شرع فيها أم لا ـ كوجوب الصلاة بأوّل الوقت والحجّ للمستطيع بسير القافلة ، مع اشتراط استقرار الوجوب بمضيّ زمانٍ يسع الفعل؛ لاستحالة التكليف بعبادةٍ في وقت لا يسعها. مع احتمال انتقاضه مطلقاً كما يقتضيه ظاهر الأخبار (١) وكلام الأصحاب (٢).
وحيث كان التمكّن من الماء ناقضاً ، فإن اتّفق قبل دخوله في الصلاة انتقض إ جماعاً على الوجه المذكور ، وإن وجده بعد الفراغ صحّت وانتقض بالنسبة إلى غيرها.
«ولو وجده في أثناء الصلاة» ولو بعد التكبير «أتمّها» مطلقاً «على الأصحّ» عملاً بأشهر الروايات (٣) وأرجحها سنداً ، واعتضاداً بالنهي الوارد عن
____________________
١) قال في روض الجنان : «مثل قول الباقر عليه السلام : ما لم يحدث أو يصب ماءً» اُنظر روض الجنان ١ : ٣٤٧ ، وراجع الوسائل ٢ : ٩٨٩ ، الباب ١٩ من أبواب التيمّم ، الحديث الأوّل ، وكذا سائر أخبار الباب.
٢) حيث عبّروا ب‍ «التمكّن» أو «الوجدان» ولم يشترطوا استمراره. المناهج السوية : ٣٢٢.
٣) وهو ما رواه محمّد بن حمران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام ، اُنظر روض الجنان ١ : ٣٤٨ ، وراجع الوسائل ٢ : ٩٩٢ ، الباب ٢١ من أبواب التيمّم ، الحديث (٣).
١٣٨
قطع الأعمال (١) ولا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة.
وحيث حُكم بالإتمام فهو للوجوب على تقدير وجوبها ، فيحرم قطعها والعدول بها إلى النافلة؛ لأنّ ذلك مشروطٌ بأسبابٍ مسوِّغة. والحمل على ناسي الأذان قياس. ولو ضاق الوقت فلا إشكال في التحريم.
وهل ينتقض التيمّم بالنسبة إلى غير هذه الصلاة على تقدير عدم التمكّن منه بعدها؟ الأقرب العدم؛ لما تقدّم : من أنّه مشروطٌ بالتمكّن ، ولم يحصل ، والمانع الشرعي كالعقلي.
ومقابل الأصحّ أقوالٌ :
منها : الرجوع ما لم يركع (٢).
ومنها : الرجوع ما لم يقرأ (٣).
ومنها : التفصيل بسعة الوقت وضيقه (٤).
والأخيران لا شاهد لهما ، والأوّل مستند إلى روايةٍ (٥) معارضةٍ بما هو أقوى منها (٦).
____________________
١) وهو قوله تعالى : (وَلاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) سورة محمّد : ٣٣.
٢) وهو قول الصدوق والسيّد المرتضى والشيخ ، اُنظر المقنع : ٢٦ ، وجمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) ٣ : ٢٦ ، والنهاية : ٤٨.
٣) وهو قول سلّار في المراسم : ٥٤.
٤) قاله الشيخ في التهذيب ١ : ٢٠٤ ، ذيل الحديث ٥٩٠ ، وهو ظاهر ابن زهرة في الغنية : ٦٤.
٥) وهي رواية ابن عاصم ، اُنظر روض الجنان ١ : ٣٤٨ ، وراجع الوسائل ٢ : ٩٩٢ ، الباب ٢١ من أبواب التيمّم ، الحديث (٢).
٦) وهو ما وراه محمّد بن حمران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام ، اُنظر روض الجنان ١ : ٣٤٨ ، والوسائل ٢ : ٩٩٢ ، الباب ٢١ من أبواب التيمّم ، الحديث ٣.
١٣٩
١٤٠

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فتنة الاعور الدجال - الجزء الثاني

فتنة الاعور الدجال